مفهومنا للمؤتمر الوطني السوري

لا شك في أن نجاح المؤتمر المنشود متوقف على جدية اختيار اللجنة التحضيرية، التي من المفيد أن تعبر عملياً عن مختلف المكونات والتيارات السياسية المؤمنة بالثورة، يغلب عليها العنصر الشبابي من النساء والرجال، ومطعّمة بمناضلين وطنيين نزيهين، خبرتهم سنون مواجهة نظام الاستبداد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/22 الساعة 05:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/22 الساعة 05:45 بتوقيت غرينتش

قبل كل شيء، ومن دون تعقيدات وألغاز، وبغاية البساطة، أقول: علينا طرح التساؤلات المفصلية التالية: لماذا هذا المؤتمر؟ ولماذا ازدياد الدعوة له الآن؟ ولماذا انضمام البعض إلى هذه الدعوة من مسؤولي كيانات المعارضة، وخاصة (المجلس والائتلاف)، متأخرين سنوات خمس؟! وهل المؤتمر المنشود من أجل تصحيح مسار وأداء مَن فشل وأخفق وأضر بالثورة والقضية وإعادة إنتاج الشخوص أنفسهم المسؤولين عن الهزيمة تحت عنوان المؤتمر الوطني من دون قيامهم -وهو أضعف الإيمان- بمراجعة في العمق وتشخيص مكامن الخطيئة والانحراف، ومن ثم الاعتذار للسوريين؟

ثم، هل ستكون وظيفة المؤتمر العتيد بمثابة إعادة الاعتبار للفاشلين أم منصّة لمساءلتهم وترميماً لما هدموه؟ وتالياً، هل سيكون على غرار الاجتماعات والمؤتمرات السابقة مدفوعة الثمن السياسي المسبق من إحدى الجهات الداعمة المعروفة، ومقرِّرة سلفاً مَن سيقود، ومن سيُنتخب، ومن سيُعين؟ وهل سيُرسم لهذا المؤتمر القفز فوق العملية التقييمية النقدية الشاملة للعامل الذاتي الضعيف الهش على صعيد من تصدروا الثورة والمعارضة من مدنيين وعسكريين ومقاتلين وادعوا (التمثيل الشرعي والوحيد)؟ أو تفادي الوقوف العلمي الواقعي على تعقيدات العامل الموضوعي بما يحمل ذلك من تأنِيب لضمائر (أصدقاء الشعب السوري) وعتاب للنظام العربي الرسمي وتحميلهم جميعاً جزءاً من مسؤولية الأزمة الراهنة؟ وغير ذلك من التساؤلات الكثيرة.

أي عمل بخصوص المؤتمرات واللقاءات الوطنية سيبقى قاصراً، وقد يكون مضراً -كما أرى- إذا لم ينطلق من مفهوم المراجعة العميقة النقدية الشاملة لانتكاسة الثورة التي يجب الاعتراف بحصولها وإخفاق وهزيمة المعارضة التي تتحمل المسؤولية الرئيسية والإيمان بوجوب إعادة بناء الثورة وهيكلة جسمها وعمودها الفقري المتقطع، وأقصد ما تبقى من "الجيش الحر" والحراك الثوري العام، وصولاً إلى صياغة البرنامج السياسي الجديد المناسب المتوافَق عليه، وانتهاء باختيار مجلس سياسي-عسكري مجرب وكفء.

أي عمل في هذا الاتجاه سيبقى ناقصاً؛ بل مبتوراً إذا لم يستند إلى حقائق تاريخية رافقت الأيام الأولى لاندلاع الانتفاضة الثورية السلمية السورية. وأولاها أن "المجلس الوطني السوري" لم ينشأ بطريقة ديمقرطية سليمة وخضع للأيديولوجيا الحزبية، وألبسوه طربوشاً إسلامياً؛ ليكون عنواناً زائفاً للمجتمع السوري المتعدد الأقوام والأديان، ما أثار الرِّيبة والخوف وحرمان المعارضة من قطاعات واسعة من مختلف الأقوام والأديان والمذاهب، كما قدم ذلك هدية على طبق من ذهب لنظام الاستبداد الذي استغل ذلك ونجح في الإساءة إلى الثورة وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي.

إن أي عمل قادم بخصوص المؤتمر الوطني، سيبقى دون المستوى إن تجاهل أمراً آخر؛ وهو أن سبب الهزيمة أن (المجلس والائتلاف) والمعارضات كلها والثوار اتفقوا على إسقاط النظام واختلفوا على النظام البديل، كما يروج لذلك البعض. والحقيقة، هي أن المعارضات من دون استثناء لم تكن مع إسقاط النظام كمؤسسات أَمنية وعسكرية وإدارية وحزبية ذات قاعدة اقتصادية واجتماعية وخطاب، فقد رضيت علناً ودون مواربة بالتحاور مع النظام والعمل معه، ووّقعت على اتفاقيات وبيانات "جنيف وفيينا" وغيرها التي نصت على الحفاظ على مؤسسات النظام، وقد أخفت المعارضة (الائتلاف والهيئة العليا) خطيئتها بالتركيز على رحيل الأسد، وكأن رحيله سيزيل كل مؤسسات النظام التي تتأسس وتترسخ منذ عقود.

أما بشأن البديل عن الاستبداد، فلم يكن هناك سبب للاختلاف حتى بداية 2012، وكنا بصفتنا وطنيين نرى أن الأولوية لإسقاط النظام من دون طرح ما نؤمن به من نظام قادم وتفاصيله وأسسه؛ وذلك درءاً لأي خلاف بين صفوف الثوار والمعارضين. ولكنّ جماعات الإسلام السياسي هي من بدأت بتعميم وبثّ الشعارات، ومنها استفزازية لنحو نصف المجتمع السوري، كما رفعت الرايات السود، وتردد من جانب الكثير من المطلعين أن جماعة الإخوان السورية كانت ترسل عاملين فنيين مع آلات التصوير مكلّفين ترديد شعاراتها مع تصوير نشاطات المحتجين ومقاومة الثوار في الميدان، وذلك كعمل دعائي حزبي صرف.

إن أي عمل صوب تحقيق المؤتمر الوطني السوري يجب، وبالضرورة، حتى يكون ناجحاً، ألا يتصدره المسؤولون في المجلس الوطني السوري والائتلاف والمجلس الوطني الكردي وسائر تشكيلات المعارضة الوطنية؛ لأنهم فشلوا وأضرّوا، ويتحملون المسؤولية التاريخية، وعليهم الاعتراف بذلك أمام الشعب وبإمكانهم دعم المشروع عن بعد إن أرادوا. والدور الأساسي يجب أن يكون للمستقلين وتنسيقيات الشباب وحراكهم ومنظمات المجتمع المدني، مضافاً إليهم الثوار الديمقراطيون، وخصوصاً ما تبقى من تشكيلات وأفراد "الجيش الحر".

هناك الكثير من الوطنيين المستقلين -وكنت من بينهم- بدأنا بطرح فكرة المؤتمر الوطني السوري الجامع مبكراً، وتحديدا منذ بدايات 2013؛ من أجل إعادة بناء وتعزيز صفوف الثورة والحفاظ على وجهها الوطني ومضمونها الديمقراطي وأهدافها النبيلة، وصيانة وتعزيز وجود وقدرات "الجيش الحر" كعمود فقري لتحقيق المشروع الوطني في تحقيق الحرية والكرامة والتغيير، وصولا إلى سوريا الجديدة التعددية التشاركية. ولكننا جوبهنا من جانب كيانات المعارضة بشتى أنواع الضغط السياسي والتشهير والتشكيك. والآن، لن نبادلهم الأمر بالمثل؛ بل نقول لهم بهدوء: ارفعوا أيديكم ووصايتكم عن مشروع المؤتمر الوطني السوري الجامع.

لا شك في أن نجاح المؤتمر المنشود متوقف على جدية اختيار اللجنة التحضيرية، التي من المفيد أن تعبر عملياً عن مختلف المكونات والتيارات السياسية المؤمنة بالثورة، يغلب عليها العنصر الشبابي من النساء والرجال، ومطعّمة بمناضلين وطنيين نزيهين، خبرتهم سنون مواجهة نظام الاستبداد.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد