قبل “أستانا” وما بعدها

بالرغم من كل المظاهر الخادعة أمام كاميرات الفضائيات والتبجح بـ"الصمود" الوهمي من جانب ممثلي الفصائل والمعارضة، فإن الحقيقة العارية هي أن طبيعة إدارة الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة، وكذلك أوساط الائتلاف والهيئة التفاوضية للأزمة في التحاور مع الروس بتوسيط الأتراك والركون إلى ضماناتهم ما بعد سقوط حلب

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/20 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/20 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش

من الواضح أنه من مصلحة روسيا وحلفائها النظامين السوري والإيراني، وبدرجات متتالية حزب الله، وسائر الميليشيات الطائفية، وحكومة العراق، وبصورة غير مباشرة الحكومة التركية، وإسرائيل وأخيراً النظام العربي الرسمي أن يلتئم شمل المدعوين إلى العاصمة الكازاخية كيفما كان، فمن جهة الكل ودون استثناء يسعون إلى التخلص من "القضية السورية"، بعضهم لوضع النهاية للثورة على الاستبداد وتفتيت صفوف المعارضين،

وبعضهم للنجاة بنفسه من التورط في الرمال المتحركة، وبعضهم اتقاء لوصول شرارة الحرائق إلى بيته، وبعضهم للتخلص من تأنيب الضمير والمسؤولية الأخلاقية تجاه محنة الشعب السوري.

أما من الجهة الأخرى، فإن الرابح الأول في كل هذا المشهد هو الجانب الروسي الذي يسعى بكل جهوده لتحقيق خططه الاستراتيجية في التمدد وبسط النفوذ على كل سوريا عبر إنشاء القواعد العسكرية البرية والبحرية، والإمساك بورقة الجيش ومصير الأسد، وكل الجغرافيا السورية، والتفرد بالتحكم بمستقبل

الدولة والشعب، بما في ذلك مسألة مواقع وممرات الطاقة، ومن ثم مقايضة ذلك في الصفقات القادمة مع القوى الكبرى والإقليمية، وخصوصاً مع الغرب، وعلى الأخص مع الإدارة الأميركية الجديدة التي تشير الدلائل إلى أنها ستهادن نظام بوتين في المدى المنظور على الأقل.

سابقاً وخلال مشاركة وفود المعارضة والهيئة التفاوضية بمحادثات ومداولات جنيف لسنوات متتالية كان الركون إلى ضمانات أكثر من خمسين دولة من (أصدقاء الشعب السوري)، وبينها الدولة العظمى أميركا ودول أوروبا وهيئة الأمم المتحدة وغالبية الدول العربية، وبالأخير ذهبت وعود هذه الأطراف جمعاء هباء، وعمد معظم أولئك (الأصدقاء والداعمين) إلى النأي بالنفس عن أي التزام عملي جاد تجاه كفاح الشعب السوري،

فهل من الجائز أن تقود تلك التجربة المرة المعارضة وبعض الفصائل العسكرية مرة أخرى إلى تكرارها ليس برعاية الأمم المتحدة ولا أطراف دولية من أصدقاء مفترضين أو حتى محايدة، بل من خلال أشرس عدو قاتل لشعبنا ومدمر لمدننا ورافض لحريتنا وناكر لثورتنا؟!

قد يقول البعض من المعارضة من أنصار الذهاب إلى أستانا، في معرض الدفاع عن وجهة نظرهم، إنهم يفعلون ذلك للحفاظ على وقف إطلاق النار وصيانة الدم السوري، ونقول لهؤلاء: هل التزامكم بوقف النار كان مشروطاً بالمشاركة في اجتماع أستانا؟ وهل المبادرة القتالية في معظم المناطق السورية بأيديكم؟ وهل انسحبتم من حلب من موقع القوة؟ لقد كان الأولى بكم (إن كنتم ترغبون في مواصلة الكفاح) وضع النقاط على الحروف ومصارحة شعبكم بكل شفافية ووضوح وممارسة النقد الذاتي والاعتراف بالهزيمة، وتحمل المسؤولية التاريخية وتسليم مصير القضية للشعب بالعمل على عقد المؤتمر الوطني الجامع من أجل تقييم الحالة وإعادة البناء.

بالرغم من كل المظاهر الخادعة أمام كاميرات الفضائيات والتبجح بـ"الصمود" الوهمي من جانب ممثلي الفصائل والمعارضة، فإن الحقيقة العارية هي أن طبيعة إدارة الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة، وكذلك أوساط الائتلاف والهيئة التفاوضية للأزمة في التحاور مع الروس بتوسيط الأتراك والركون إلى ضماناتهم ما بعد سقوط حلب تنم عن تصرفات المهزوم في المعارك العسكرية والإخفاق في الإدارة السياسية،

بغض النظر عن الأسباب والعوامل، هذا إذا تابعنا تفاصيل المواقف السياسية الإشكالية والتصريحات المتناقضة والاستقتال في نيل عضوية ندوة أستانا، التي كما ذكرنا تصب في مصلحة الطرف الروسي، وهو من ألد أعداء الشعب السوري، وأكثر من قتل وأباد السوريين يتحمل مسؤولية بقاء نظام الاستبداد وهزيمة الثورة.

صحيح أن كل طرف من أطراف البيان الثلاثي الصادر بموسكو (من إيرانيين وأتراك وروس) يسعى إلى تجييره وتفسيره حسب قراءته ومصالحه، ولكن صحيح أيضاً ورغم التباينات هناك توافق بينها حول أمور جوهرية تخص شعبنا من قبيل: انتهاء الثورة، ووقف الصراع، وتشتيت وإضعاف الفصائل المسلحة ولو بالقوة، والحفاظ على نظام الأسد في المدى المنظور، إلى جانب قيام كل طرف باستخدام القضية السورية لخدمة مآربه وحل خلافاته مع البعض بالمقايضات المعروفة في لعبة الأنظمة، وبهذه الحالة ماذا سيحقق وفد المعارضة بتركيبته وعناصره المهزومة وأحزابه الفاشلة؟ وماذا سيجني لشعبنا وقضيتنا وثورتنا؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد