منذ صدور قرار مجلس الأمن 2334، القاضي بتحريم الاستيطان في مناطق الضفة الغربية ومدينة القدس، لم يكفّ الفلسطينيون عن تسلّم الكثير من التهاني والتبريكات المفعمة بالانبهار والاستبشار، وسواء من أنفسهم أو تلك الآتية باتجاههم من الشرق أو الغرب،
وهي بالتأكيد كانت مشابهة أو أكثر تشابهاً وعدداً، نظراً للنمو الطبيعي العالمي لتلك التي تلقتها أجيال فلسطينية سابقة، بعد تمرير قرارات كثيرة، كانت
صدرت عن المجلس ذاته، والتي على رأسها قرارات 191، و242، و338، والتي لم يتم تنفيذ خطوة واحدة منها إلى الآن.
وبغض النظر عن ردود الفعل الدولية المؤيّدة، فإن القرار لدى مفهومات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يؤسس لمرحلة جديدة مختلفة عما قبل، ولكنها من غير ريب متضادة، فبينما تُعتبر لدى الفلسطينيين انتصاراً للأمل ويوماً للنصر، فقد اعتبرت لدى الإسرائيليين بأنها مرحلة حاسمة تتطلب العمل لإسقاط القرار، وترميم ما علق بإسرائيل من جرّاء النفاق الدولي.
فالفلسطينيون المغتبطون بالقرار سيعتمدون عليه بكل أثقالهم وجوارحهم، باعتباره اعترافاً دولياً (خارقًا) يقضي ببطلان الاستيطان بشكل تام، وبمقدورهم من الآن فصاعداً إرفاقه بالقرارات الأممية التاريخية التي يملكونها بشأن صراعهم الدائر مع الإسرائيليين، وباستطاعتهم أيضاً نشرها على الطاولة عند أي مفاوضات مُحتملة،
لكن الإسرائيليين يرون بأنهم أمام عهدٍ أميركي جديد، بقيادة الرئيس الأميركي السوبر "دونالد ترامب"، الذي بادر إلى رفض القرار وإلى الإعراب عن غضبه الشديد من صدوره، لاعتباره أن السياسة الاستيطانية لا يمكنها تشكيل عقبة للسلام؛ بل إن صدوره هو الذي سيشكل تلك العقبة.
سارع من جهةٍ ثانية إلى الإبلاغ عن استعداده، بعد أن يتسلم مقاليد الحكم في 20 من يناير/كانون الثاني المقبل، القيام بقلب الأمور رأساً على عقب، سواء فيما يتعلق بتغيير ما علق في عقول الآخرين، أو بمحو أي شيء يعيق المسيرة الإسرائيلية، وأعطى في ذات الوقت وعوداً (جديدة) بتسريع خطوات نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس.
نوعيّة الفرح الموجودة لدى الفلسطينيين، بعدما وصفت رئاسة السلطة الفلسطينية قرار مجلس الأمن بصفعة كبيرة للسياسة الإسرائيلية، ستظل محليّة ومحدودة، كما يبدو من التاريخ والحاضر، حتى رغم الاحتفالات العارمة التي سادت على الساحة عقب صدور القرار، بسبب أنها لم ولن تُشعل حماس المجتمع الدولي، باتجاه السير نحو اتخاذ خطوات عملية لصالح الفلسطينيين، وفي ضوء مسايرتهم للرأي الدولي ومقترحاته الضعيفة وغير الصالحة لا للزمان ولا للمكان أيضاً، ولن تكون أكثر صرامة ضد إسرائيل وفي ضوء إصرارها على العناد، وعدم اعترافها بالقرارات النّاتجة عن المجتمع نفسه.
ربما لدى الكثيرين علم اليقين بأن ذلك المجتمع ومهما تصل الأمور من الشحن وتصدع العلاقات، لن يُجازف بأي حال بخسران علاقاته الكبرى والمصيرية، سواء مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل، بسبب العرب ككل، أو لأجل حفنة من الفلسطينيين، وكل ما قام أو يقوم به هو نتيجة لتضارب في المصالح وحسب.
كميّة الغضب الإسرائيلي كانت زائدة عن الحد وغير مسبوقة؛ حيث اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعلان الحرب على الأمم المتحدة برمّتها، بعد أن وصفها بالنفاق، وبأنه لا يمكنها فرض قرارات دولية على إسرائيل الديمقراطية، كما أعلن عن فرض عقوبات إسرائيلية على مؤسساتها.
الأهم هو أن "نتنياهو" – كما يبدو- سيقرر التعامل مع القرار وكأنه لم يكن، بما يوضح أن العمل الاستيطاني سيستمر، وبعزيمة أكبر سيطوف كامل الأنحاء وبخاصة حول وداخل مدينة القدس، وضمن هذا الوضع، فقد توعّدت قيادات إسرائيلية -يمينية ويسارية- بمواصلة الاستيطان، وأظهرت استخفافاً بالأمم المتحدة وبقراراتها، مُعتبرةً أن القرار الدولي لن يؤدي إلى وقف عمليات البناء الاستيطاني، وخصوصاً في مدينة القدس،
وتوقعت أن تصادق لجنة التنظيم والبناء المحلية خلال الأسابيع القليلة القادمة على بناء أكثر من خمسة آلاف وستمائة بناية جديدة في أحياء يهودية، تقع داخل حدود الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية.
على أي حال، وإن كان لا مجال للإحباط بشكلٍ مُبالغ فيه، فإن الفلسطينيين مضطرون للانتظار وقتاً ليس محدداً، حتى يروا فيما إذا كان القرار نافعاً وبدرجة مُثيرة للإعجاب بشأن نهاية الملف الاستيطاني، أم أنهم سيُرغمون على اعتباره انتصاراً للأحلام وحسب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.