يا ابن الشيطان الأخرس!

يدك الجاهلة تُمسك قضيتك التي - بظنك - لا تُنسى مرفوعة بين الأرض والسماء رُغم أنها لا تُرى وعلى الأغلب نُسيت، ويدي من هُنا وتلك العين مشلولة من هناك، وبصيص الضوء يبتلعه غضب السماء أو تدفنه تجاعيد دُخانية لقشرةٍ عفنة من الأرض التي تُشبه أرضك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/26 الساعة 05:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/26 الساعة 05:32 بتوقيت غرينتش

الكؤوس التي دُقت على طاولة الربيع العربي العرجاء هي نفس الكؤوس التي دُقت قبلاً على طاولات بعكاز أو بجلاد أعور يتربع مُتفرعناً على كرسي القمة – الطاولية -، الضحية تكاد أن تكون بنفس الملامح مع اختلاف بسيط لإحداثيات الزمان والمكان. ما يحدث من بشاعة تحت الطاولة يقل بشاعة – صدقاً – عما يحدث فوقها..
أن تكون فارغ الضمير، بليد الإنسانية، ووحشي التقاسيم تحت الطاولة هو أرق وأقل قباحة من أن تُجاهر بكل ملامحك القبيحة علانية فوق الطاولة.

نعم، أنا فلسطينية الأصول، أردنية الهوية، وقضيتي لا تُنسى ولستُ بصدد إثبات هذا الشأن لأي منكم!

تلك الكأس التي شربها أجدادي ولا يزال أبناء شعبي يتجرعون ذات المرار مُضاعفاً كل يوم، لا تُعطيني الحق بتهميش قضية حلب وما يجري داخل حلب من مجازر وبشاعة ضد الحياة والإنسانية. هل عليَّ فعلاً أن أغار من تسليط ضوء القلب على هذا الشعب الذي يقف على أعتاب الفناء؟ هل هُناك عُرف أو قانون يمنع المتوجع من الإحساس بوجع الجسد الذي يستلقي نازفاً مُحتضراً بجانبه؟

أتعجب حقاً من نسبة الذين يغارون من الحديث عن أي قضية بعيدة عن قضيتهم، وهم ذاتهم الذين كانوا من فترة ليست ببعيدة والتي تتزامن مع الحرائق التي أكلت بعض أجزاء من العدو المُحتل والذين كان لهم نظرة إنسانية ونشروا الكثير من المقاطع والجُمل التي تُندد بما حدث، واستنكروا تلك الأعمال على أنها ليست ردة فعل مناسبة لمنع رفع الأذان في القدس وما حولها، وبأن الشماتة بهم هي كل الوحشية وعدم الإنسانية!

وانتشر سؤال يستفسر التالي: "لو رأيت طفلاً إسرائيلياً وسط تلك الحرائق هل ستُنقذه؟".

إنسانية غلفت إجابات أغلب من أعرفهم ومن يدافعون ليل نهار عن قضيتي وقضيتهم، هُم ذاتهم الذين يعاتبونني اليوم على التركيز المُطلق الذي يتمحور حول الأحداث السورية واتهامي بنسيان قضيتي، هل نغار من الوجع؟

وأنت يا أنت، هل لو رأيت طفلاً حلبياً على وشك أن يتفتت دماغه وتتناثر أشلاؤه على وجهك وتبصق دمه الطاهر الذي دخل – مطمئناً – فمك الذي يُشبه فمه، هل ستُنقذه؟

تلك الأعين الكاملة التي ما عادت تقوى على إدراك أشباح الصور وما بها من انعكاس للضوء، أي ضوء سينعكس للنظر وسط هذا الشتات المنفوش، شتات من حُطام أو رُبما رُكام.. تخيل معي رُكاماً منفوشاً.

يدك الجاهلة تُمسك قضيتك التي – بظنك – لا تُنسى مرفوعة بين الأرض والسماء رُغم أنها لا تُرى وعلى الأغلب نُسيت، ويدي من هُنا وتلك العين مشلولة من هناك، وبصيص الضوء يبتلعه غضب السماء أو تدفنه تجاعيد دُخانية لقشرةٍ عفنة من الأرض التي تُشبه أرضك.

جبانة هذه الأرض التي لفظت حنانها، وجبان أنت يا حامل قضيتي الجاهل، ابتليت بالأمس هذه الأرض ونُفشت وجفت عطشاً للمزيد هذا اليوم، مُهتزة قشرتها وقبيحة جداً عروق تجاعيدها، تتكسر أرجل تعلوها من سنين تُشبه أرجل أقصاك، وتتفتت ملامح الوطن والأوطان ذات القضايا، والضوء يلهث مُرتجفاً يبحث عن أرض دافئة توصله بشبحه، وهذا الشبح واقف يبحث بأعين كاملة عن طرف ضوء يعكس صورته في عينٍ كاملة، دلوه على عينٍ كاملة بربكم!
عين قد رأت يوماً قضية..

أو أخبروا الضوء أن الشبح صامدٌ منتظرٌ قامة الضوء تُنقذه انعكاساً، لا تخذله أنت أيضاً أيها الضوء.. اعكسه بجوف مُقلتي وأخبر حامل قضيتي الذي يسري في عروقه دم قد يجعله أخي بأني لو رأيت شبحه – الجاهل – يوماً لن أعكس ضوءه ولا حتى في طرف ما يتوسد طرف جفني، فابقَ تحت الطاولة أرجوك!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد