"إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هُدى"، الحديث هنا عن نار متأججة تحت رماد صراعات المنطقة ومصالح أطرافها، نار تحرق ولا تهدي، نار تدمِّر ولا تبني، هي نار أوجدها المستعمر قديماً، وضمن لها استمرارية الاشتعال، كما لو كانت نار "كسرى"، ووجد في نفطها مصدراً للطاقة يغذيها أبد الدهر، فالولاء للصانع قائم، وسيناريو التدمير والإحراق يبدو أنه لا مفر منه، فقط يتبقى البحث عن العامل المساعد على الاشتعال أو "ثاني أكسيد المنجنيز"، ومنه الكثير من المنطقة، سواء جماعات أو أنظمة سياسية أو جماعات مصالح أو قوى مختلفة.
وثاني أكسيد المنجنيز لعلّي أتذكر أنه مركب كيميائي، كان مدرس العلوم قديماً يعلّمنا أنه يساعد على التفاعل الكيميائي أو يزيد من سرعته دون أن يتدخل في بنية التفاعل نفسه أو تغيير مخرجاته.
كذلك ترى بعض البشر أقرب لهذا المركّب الكيميائي "ثاني أكسيد المنجنيز" يساعدون على إشعال الموقف وزيادة سرعة تفاعلاته الداخلية، وصولاً لنقطة محددة حتمية لا مفر منها، الأعجب أن ترى بعض الأنظمة السياسية تقوم بهذا الدور أيضاً، تُسهم في إشعال الموقف وزيادة سرعة التفاعل الكيميائي بالمنطقة، وصولاً لنهاية حتمية، والأشد عجباً أن تقوم بهذا الدور "الوسيط" لإنهاء وجودها نفسه أو الإسراع بوتيرة تغيير التركيبة السائدة، وصولاً لنقطة نهاية مخططة مسبقاً وحتمية.
ربما يكون التفاعل الكيميائي بطيئاً في مجمله، لكن وصول أحدهم، سواء أكان فرداً أو نظاماً سياسياً بكامله، قد يسهم فعلاً في زيادة حدة التفاعل، فنرى وهج الاشتعال وتطاير الشرر المنذر بقُرب النهاية.
المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط تشتعل ومنذ فترة طويلة، لكنه كان اشتعالاً بطيئاً، يخبو أحياناً عندما تسكن حدة الريح، يتأجج مع هبوب الهواء، لكنه كان أقرب لجذوة نار مشتعلة تحت الرماد، تحتاج لمن يقلّب فيها وينفخ فيها ليبعث روح التدمير، ناراً تحت الرماد، لا هي قادرة على الانتشار من تلقاء نفسها وفي نفس الوقت تقوم بفعل عوامل داخلية وخارجية الأفول، وهي نار ليس ثمة هُدى مصاحب لها أو وراءها، بل خراب لأوطان ودمار لثروات وتشريد لشعوب بكاملها.
تعلّمنا "رغم أننا ننسى دائماً هذه البديهية"، أن الحاضر ابن بار بالماضي، وأنه من المستحيل أن نفصل الحالي عن السابق كثيراً، فهذا نتاج للآخر، وبالتالي فدراسة الأوضاع الحالية لمنطقة الشرق الأوسط بكاملها ينبغي أن يبدأ بدراسة التاريخ، ونقصد هنا تاريخ النشأة والوجود، وعلاقة الوجود بالصانع.
عقود طويلة، منذ أن انسحب الاستعمار ظاهرياً من منطقة الشرق الأوسط، لكنه ترك جراثيم ترتع وتنمو، وجذوة من النار تستعر ولا تنطفئ، أوجد تركيبة سياسية وجغرافية وإثنية هشة، رفيقها الاضطراب والانهيار، وصنع تبعية سياسية لكثير من النظم السياسية سواء القديمة الطبيعية أو المصطنعة "المخلّقة" فلم يكن من الصعب في أي وقت أن يبدأ التفاعل الكيميائي، فقط العامل المساعد، سواء نظام سياسي بكامله أو تنظيم أو رئيس أو ملك، مجرد وجوده أو صناعته، يبدأ دور "ثاني أكسيد المنجنيز" في العمل، وهو دور يعين صاحبه ما يفعله بدقة، يدرك تصرفاته جيداً، لكنها توازنات المصلحة وصراع البقاء والوجود.
فهل يكون للعامل المساعد على التفاعل "ثاني أكسيد المنجنيز" دور محفّز على الإسراع بإعادة رسم خريطة المنطقة مرة أخرى؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.