استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقاط أنفاسه وبشراهة مُتفوّقة، منذ صدور نبأ فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، بعد أن غابت عنه فترة طويلة من الزمن، بفضل عمليات الرئيس الأميركي باراك أوباما وأشخاص إدارته، التي تبدو جريئة، باعتبارها ساهمت مساهمةً فعّالة وغير مُعتادة في نظره، في تخفيض قيمة سياسته، ودحضها أحياناً، وبخاصة الموجّهة ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام.
على أن تلك العمليات لم تكن على نطاق المستوى الخارجي فقط؛ بل على نطاق أوضاعه الداخلية أيضاً، وإلى الدرجة التي شكّلت خلالها خطراً على حياته السياسية، وسواء بالنسبة للموافقة على دفعه نحو العزلة الدولية، أو من خلال تقوية ودعم تيارات اليسار المنتشرة في أرجاء إسرائيل، التي يتزعمها الحزب الصهيوني بقيادة إسحاق هيرتسوغ، الذي كاد يتولى زمام الحكم خلال الانتخابات الأخيرة أوائل عام 2015.
يحق لنتنياهو الآن الكشف عن سروره بطلاقة، وأن يتحدّث أمام الكل عن نعمةٍ نادرة، سقطت عليه في اللحظات الأخيرة، وأنقذته من ويلاتٍ وشيكة؛ بل وجعلته في المكان الرابح، بدلاً من الخاسر، الذي قضى به معظم أيام حياته الفائتة.
فبعد أن أسمعه "ترامب" على مدار أوقات المحاربة على كرسي الرئاسة الكثير من البشريات العميقة، التي تخص مصيره السياسي، وعلى النطاقين الخارجي والداخلي، فهو الآن وقد تحقق له الفوز، يراه يقوم بتهيئة الأمور -عياناً- للبدء في تحقيقها، وفي ضوء أن الحملات الدعائية، التي أطلقها الفائز باتجاه دعم وتحسين صورة نتنياهو والدولة الصهيونية، وللحيلولة دون زيادة عزلتهما، كانت فعالة وتبدو للضرير بأنها تتقدّم.
فعلى عكس الإدارة الأميركية الفائتة، التي كانت بمثابة السبب الكبير في تكبيل نتنياهو ومحاصرته، وبالتالي تأذّي إسرائيل (ككل)، سواء في شأن القضايا الضارّة بالفلسطينيين، والمواقف المتعارضة مع رغبات وتطلعات المجتمع الدولي، فإن إدارة ترامب تسعى وبكل عنفوان، إلى وقف ذلك كله، وبما يشمل إعادة إسرائيل على أنها هي الضحيّة، التي تستلزم ضرورة الدفاع عنها بكل الوسائل، ومن ناحية نتنياهو، فهذا يُعدّ نصراً مدوياً يفوق انتصارات إسرائيل في الحروب ومعاركها في الميدان.
من أكبر الأمثلة على المنزلة التي سيكون فيها نتنياهو هي التي ستشهد توثيقاً خاصاً للعلاقات الشخصية والسياسية مع الرئيس الأميركي الجديد، والدولة الصهيونية بشكلٍ عام، فأخيراً، نشرت وكالات الأنباء، سواء الإسرائيلية أو الأميركية، تصريحات للرئيس الجديد، ذكرت فيها أنه في اللحظة التي نال فيها الفوز بالرئاسة، قام بإبلاغ نتنياهو بأنه منذ الآن يستطيع إبراز نياته الخاصة بأرض إسرائيل إلى العلن، وممارسة سياسته بشكلٍ اعتيادي، وفي نفس الوقت، أصرّ على تعهّده بقمع أي سياسة أو أي عزلة دولية قائمة، أو قد تواجه إسرائيل مستقبلاً.
وضمن هذا السياق، فقد طرقت المخاوف صدور الأوروبيين؛ حيث بدأوا بتجفيف أجوافهم من بقايا مواقف أو انتقادات كانت تقدمها يومياً باتجاه إسرائيل، إلاّ ما بقي منها لحفظ ماء الوجوه، التي لا يُمكن الاستغناء عن جلبها وقت الضرورة والاحتياج إليها، كما أن الفرنسيين تحديداً بدت أوراقهم الخاصة بالمؤتمر الدولي للسلام، بدت وكأنها تتساقط من أيديهم المُرتجفة ورقةً تلو الأخرى، وإذا اتصل الحديث بروسيا، فهي أيضاً أظهرت انسجاماً متقدّماً باتجاه ترامب؛ حيث تأمل نسج علاقات تعاونيّة أفضل، طمعاً في تحقيق المزيد من الإنجازات حول قضاياها العالقة.
من جانبهم، فإن العرب أيضاً بدوا أكثر استعداداً للتأقلم مع سياسة الرئيس الجديد، باعتبارهم سيكونون مضطرين لمسايرة ضغوطه الثقيلة، سواء من ناحية اندفاعهم نحو تقبّل السياسة الأميركية الجديدة -على عِلاّتها- فيما لو كانت لديهم الرغبة في الحفاظ على مستوياتهم القائمة، أو من ناحية التقدم في إنشاء علاقات علنيّة -تطبيعّية- مع إسرائيل، بحجة خدمة المسار السياسي، فيما لو كانت لديهم الرغبة في إنجاز القضايا العالقة، وإنهاء ملفّهم الصراعي مع إسرائيل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.