ما حدث اليوم بالجامعة الأردنية أشبه بحرب قامت، كأن عاصفة هوجاء من الحقد والكراهية قد نسفت بالجامعة وطلابها، منظر مهول يخيّل إليكَ لو رأيتَه أنك في معركة بين دولتين، أو احتلال بطش بيده على مأواك ولقمة عيشك، ما حدث اليوم بالجامعة من بعض طلابها كان كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وليس معنى واحداً.
لم يخفَ على الجميع التهديدات التي نشرتها بعض العشائر بأن شيئاً ما سيحدث يوم الخميس، لكن هذه التهديدات لم تأخذ حقها من التأهّب لتفادي المشكلات قبل وقوعها، رغم ما عُرفت به الجامعة من نظامٍ رقابي قوي ومحاولات نشر الوعي الطلابي بمساوئ العنف الجامعي.
بدأنا محاضراتنا صباحاً.. وعندما دقّت الساعة العاشرة جاء خبر تعليق الدوام، الخبر الذي نزل على قلوب الطلاب كأنه قنبلة انفجرت لتحدث رعباً في قلوبهم، خرجنا من القاعات والكل خائفٌ يترقّب، الأعين مشتتةٌ ودقّات القلوب تحدث فوضى كبيرة في المكان، اتجهت الفتيات إلى البوابة للهرب من هذا الخوف الذي استحكم بهنّ، فإذا بهنّ يهربنَ مما هربنَ إليه، بدأت المشكلات تحتدّ قرب باب الكلية فإذا بالفتيات يدخلن كتلةً واحدةً، يصرخنَ ويمشينَ بشكل عشوائي إلى أي مكانٍ يحتوي بِأمانهِ ذعرهنّ.
بدأت صديقتي ترتجف وتبكي وتصرخ، وأرادت مراراً أن تهرُب إلى حيث تهرب الفتيات، أمسكتُ يدها ولم أسمح لها باللحاق بهنّ، فإن الركض بينهن كالمُلقي بروحه بين أقدامهن، لجأنا إلى زاويةٍ خلفية في الكلية وأخبرتها أن لا تتحرك من مكانها ريثما أدرس الوضع هناك لأرى إن كان هناك أي طريق نتسلل منه إلى حياتنا.
بعد محاولات عدّة، ومحاولات تهدئة صديقتي التي شعرتْ أنها لم تعد تعرف كيف تمشي جيداً ولا كيف تتحدث جيداً من شدة خوفها، استطعنا أخيراً أن نستدلّ إلى طريق يبدو أنه آمن، فكل الطلاب يسلكونه بهدوء نسبي، حالة صديقتي لم تكن فريدة، هي نموذج لحال الطلاب الذي لا يأبه له مفتعلو المشكلات في الجامعة، لم يدركوا كيف يمكن لمشكلات بهذا الحجم أن تؤثر في نفسية من حولهم، ما فعله هؤلاء الطلبة كان اعتداء على الجامعة وطلابها وكادرها من كل الجوانب، الأمنية والنفسية والفيزيائية، ولن يشعر هؤلاء بما فعلوه إلا أن يكونوا جزءاً مما تم الاعتداء عليه.
تركنا الكلية خلفنا عارمةً، ودكاترة من الكلية مترقّبين يحاولون تهدئة الطالبات بعد تلقيهم الأخبار من الجامعة بإغلاق معظم البوابات، رغم أن وجوههم أنفسهم تستنجد قوّة من السماء تفكّ الكربة المحكَمة، وأمام أعيننا أفواج الطلاب التي يشبه تجمعها تجمع يوم الحشر.
وصلنا أخيراً إلى منفذ يمر من خلاله آلاف الطلاب، جاء دورنا للخروج بعد رحلة ذعر لم نشهد مثلها يوماً ولم نعِش تحت سطوتها يوماً في ظلّ دولة آمنة وتسعى دوماً لذلك، وخرجنا من طوفان الكراهية الذي أغرق قلوبنا جميعاً بأمواجه الشديدة، وكنا قد واجهنا في هذه الأثناء المشكلات مِن حولنا وصراعنا مخاوفنا وصراعنا مع الرياح التي كانت تصفع وجوهنا المشدوهة.
شيئاً فشيئاً تجمعت سيارات الدرك والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب، والأمن الجامعي في الجامعة يتأهّبون للأسوأ إن وقع، تشعر وأنتَ في هذا المكان أنّك تبكي حرقةً على الحال الذي تعيش فيه، كلّ هذه القوات تجمّعت لتفكّ اشتباكاً بيننا نحن، بين طلاب مثقفين متعلمين في أقوى الجامعات الأردنية، أو يقال عنهم ذلك! وقد أحزنني منظر ذلك الطالب الذي يعاني من صعوبات حركيّة وهو يحاول العودة إلى الجامعة ليحضر شيئاً ما نسيهُ هناك في الداخل، حاول الطلاب بشتى الوسائل أن يهدّئوا من روعه لكن على ما يبدو أنه لم يأبه لهم.
بعد ساعة من خروجنا كان الوضع مستتباً عند البوابة الرئيسية للجامعة، ولم يكن هناك اشتباكات، لكن لا ندري إذا ما كانت هذه نهاية أم بداية.
أنادي كطالبة في الجامعة الأردنية بأن تتم محاكمة من يتم القبض عليه، وفصل كل من كان له علاقة بهذه الفوضى، والتعامل مع هذه القضايا بحزم؛ لكي لا تتكرّر مستقبلاً بأي صورة مشابهة، حياة الإنسان أكبر من أي تأجيل.. والجامعة الأردنية ذات صورة مشرقة وحضارية لا ينبغي لعيّنة صغيرة من الطلاب أن يشوّهوا صورتها، على الأردن أن تتحرك بشكل جدي لا لتعالج المشكلة فقط، بل لِيَقوا منها بشتى الوسائل المتاحة، وأنا على يقين أنّ كل عامل في هذا الوطن يعمل لمصلحة شعبه وأمانه وراحته.
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.