من المسلَّم به أن الاختلاف بين الإدارات الأميركية المتعاقبة كبير، وفي بعض الأحيان عميق، ولكنه لا يتحول إلى جذري، غير أن سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقتنا التي تقف على نقيض من مصالحنا تجعلنا لا نرى أي اختلاف سياسي باختلاف الإدارات.
جاء باراك أوباما إلى الرئاسة الأميركية كرد فعل على دورتين رئاسيتين لبوش الابن، الذي أذاق المنطقة مر الحروب والتدخلات الكارثية التي لا نزال نعيش مفاعيلها إلى الآن، ولكن أدت سياسات أوباما نفسه إلى الإتيان بدونالد ترامب الذي هو نسخة أكثر سطحية واندفاعاً من بوش الابن.
من نافلة القول أن انتخاب أوباما التاريخي في نهاية ٢٠٠٨ لم يكن بسبب سياسة بوش الابن في العراق، ولكن لسحب ما تبقى من جنود أميركيين خوفاً من عودتهم في صناديق خشبية ملفوفة بالعلم الأميركي، ولا علاقة له بما أصابنا كشعوب من جراء سياسة بوش.
كان باراك أوباما من أكثر رؤساء الولايات المتحدة كاريزمية، وجاء انتخابه كانتصار للمهمّشين من الأميركيين الأفارقة، واعترافاً بالمجتمعات الملونة، وتقديراً لكيانات الهجرة، وتثبيتاً للاندماج الناجح محلياً، وكان روحاً للشباب في العالم العربي الذي صرخ في كثير من المحطات "yes we can"، وعلى المستوى الثقافي العالمي لقي أوباما دعماً استثنائياً لم يحصل عليه أحد في العالم، من خلال حصوله على جائزة نوبل للسلام، لمجرد إطلاق وعود دون أي منجز حقيقي وفعلي.
مقابل هذه الحفاوة العالمية لأوباما المبالغ بها دون استحقاق، ارتدَّ الناخب الأميركي على أوباما كشخص وكمنطق حكم وكسياسة وكخطاب وحتى كشاب ووضع اجتماعي، وذهب للنقيض العاري والصافي، وكأنه يريد أن يمحو عهد أوباما بأي ثمن ووسيلة، وعلى عَجَل، وأن يقطع مع كل ما يذكره به.
لم يتعامل الناخب الأميركي مع ولاية أوباما كوباء يجب الحجر عليه، بل ذهب بعيداً جداً واختار آخر الدواء الكيّ.
إذاً كان الدافع الحقيقي وراء النتيجة التي لم تتوقعها أغلب دوائر الاستطلاع هو رفض تكرار تجربة أوباما عبر وزيرة خارجيته كلينتون، وعلى غرار الحالة التي رافقت انتخاب أوباما في أواخر ٢٠٠٨؛ حيث خرج الناخب كي يشكل حالة تجاوزت بشكل كبير التقسيم الجمهوري والديمقراطي.
شكَّل ترامب كذلك الأمر حالة سمَّاها الرئيس المنتخب في أول تصريح له: "نحن نشكل حركة"، ولكن السؤال عن السبب الدافع لهذا الخيار الترامبي لدافعي الضرائب الأميركيين يبدو غير لائق ومعكوساً! والسؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا يستمر الناخب الأميركي في نفس خيار أوباما؟
جاء الأستاذ الجامعي السابق إلى الرئاسة بوعود أقرب إلى المدينة الفاضلة، وخرج منها بإنجاز وحيد هو التأمين الصحي، ويبدو أنه لن يعيش طويلاً كما هو حاله الآن في عهد ترامب؛ ذلك أن الناخب لم يرَ أي تغيير في حياة ولاية أوباما الطويلة وغير الفعالة والعاجزة إرادياً في الداخل، وتراجع الوجود الأميركي في العالم لحساب تقدم قوى كروسيا توقَّع فريق كبير من المتابعين انكفاءها عن التوسع لوقت طويل، واعتقد آخرون أن سياسة أوباما هي الدافع الحقيقي وراء توسعها.
انتقم الناخب الأميركي من كل ما يمثله أوباما، فاختار الرجل الأبيض الفخور بعِرقه مقابل الرئيس الداكن الداعي للتسامح، والرجل السبعيني المكتنز الفاحش الثراء والفج مقابل الشاب الأستاذ الجامعي الرشيق وصاحب الدعابة.
هو خيار هجومي منفلت ومتفلت، ولكن كما هي الحال مع وعود أوباما المرشح غير المحققة علينا أن ننتظر ترامب الرئيس المنصب كي نرى ما يستطيع أن يحققه من وعود الأمن والقوة والهيبة الأميركية.
أما نصيبنا من كل انتخابات أميركية كعرب فهو التراوح بين الضحايا والخاسرين ولا شيء آخر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.