على هامش معركة الموصل

حقيقة ما يجري بالموصل، ولاحقاً بالرقة، هو تهجير السُّنة وتسليمها للبيشمركة والميليشيات الكردية وغيرها؛ لذلك نجد إصرار الأتراك على المشاركة في تحرير هذه المناطق ببعشيقة والموصل والرقة؛ كي يفسدوا عليهم هذا المخطط".

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/18 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/18 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش

مغالطات كبرى ضارة وغير مبررة بشأن الحرب ضد إرهاب داعش عامة، ومعركة الموصل على وجه الخصوص، تسطرها أقلام كتاب وصحفيين في بعض المنابر الإعلامية العربية، إما عن جهل وعدم اطلاع، أو بدوافع سياسية صادرة عن مواقف مسبقة وأيديولوجيات شوفينية – عنصرية متأسلمة ضد الكرد، ومنحازة بصورة مبطنة إلى جانب الخندق الإرهابي، حتى لو لم يفصح أصحابها عن ذلك بشكل معلن، ولا شك أن تلك المغالطات المزعومة ستسهم سلباً في عمليات قوى التحالف المحلي – الدولي وخططها السياسية والعسكرية والإعلامية في مواجهة "داعش"، وفي مسألة السلم والعيش المشترك بين مكونات المنطقة وسكانها الأصليين ما بعد التحرير.

العينة الأولى من مقالة باسم "د. موسى الزعبي" في موقع "كلنا شركاء"، جاء فيها:

"وما يحدث بالموصل والرقة اليوم؛ حيث تم التسهيل وزرع دواعش للسيطرة والتمدد بهما؛ لتبرير التدخل والبدء بإنشاء دويلة سيفر بدءاً من الموصل، ولكن أردوغان مدرك لهذه اللعبة؛ حيث فشلت أميركا بالشروع بالانطلاق من سوريا لبدء دولة سيفر على غرار دولة بلفور, مما جعل الخيار الأوحد لهم هو مدينة الموصل لوصلها بكردستان العراق؛ حيث حقيقة ما يجري بالموصل، ولاحقاً بالرقة، هو تهجير السُّنة وتسليمها للبيشمركة والميليشيات الكردية وغيرها؛ لذلك نجد إصرار الأتراك على المشاركة في تحرير هذه المناطق ببعشيقة والموصل والرقة؛ كي يفسدوا عليهم هذا المخطط".

العينة الثانية من مقالة باسم "عبد العزيز محمد قاسم"، بموقع "مدونة الشرق الإلكترونية – الخليجية" يقول:

"يا قادة داعش في الموصل.. ليكُن لكم شيء من شرف قائدكم أسامة بن لادن، الذي رفض تماماً أن يتضرر الملا عمر أو يموت الأفغان لأجله، رغم عرضهم له الحماية، وانحاز بمن معه لجبال تورا بورا؛ كي لا يُقتل أفغاني واحد بسببه. تداعى الصفويون اليوم إلى الموصل، وثمة مذبحة قادمة على أهل المدينة، سيكون أهل السنّة أولى ضحاياها، فانحازوا عنها، وأخرجوا منها لفيافي شمال العراق وجبالها، حقناً لدماء من تدّعون نصرتهم".

في الأولى يتجاهل الكاتب تماماً المشروع الإيراني وعبر مراكز قوى حاكمة في بغداد ومجاميع الحشد الشعبي القاضي بتغيير التركيبة السكانية في الموصل ومحيطها، وتأمين ممرات آمنة توصل جلولاء بسوريا، ويصب جامّ افتراءاته على الكرد، متهماً إياهم بمحاولة السيطرة على الموصل، وضمها إلى إقليم كردستان، وذلك بدعم أميركي، في حين ومن أجل قطع الطريق على إثارة الفتن والحساسيات والحد من الأقاويل الباطلة، فقد أعلن مسعود بارزاني رئيس الإقليم أن "قوات البيشمركة لن تدخل مدينة الموصل"، في حين أن الناطق باسم الحشد الشعبي يعلن أنه بعد السيطرة على تلعفر والوصول إلى مركز مدينة الموصل، ستتوجه قوات الحشد إلى سوريا لدعم نظام الأسد، ويستمر الكاتب في الادعاء حسب خياله الواسع بأن التدخل التركي العسكري سيتم لإبطال المشروع الكردي التوسعي، في حين أن تصريحات المسؤولين بأنقرة تشير إلى رفض تدخل الحشد الشعبي، وتجاهر بحماية التركمان والسنة العرب.

ذكرتني مواقف هذا "الزعبي" بتصريحات الزعبي عمران، خادم نظام الاستبداد الأسدي، وكيف أن "زعبينا" وعلى طريقة "زعبيهم" يكيل المديح لحكومة أنقرة بسبب ومن دون سبب، إلى درجة أنه يعتبرها حامي حمى الشعب السوري، ومنقذ ثورته، بل الأمل في الحفاظ على عروبة العراق ووحدته، وينصب نفسه محامياً، ويبحث عن مادة وسبب "كردي" لاختلاق قضية دون جدوى؛ لأن العلاقات بين أنقرة وأربيل مستقرة حتى اللحظة.

أما في العينة الثانية، فواضح مدى تعاطف الكاتب مع "داعش" إلى جانب تحريضهم إلى التوجه نحو كردستان، وهو واثق أنهم بالأساس عندما احتلوا الموصل كانت وجهتهم التالية أربيل، عاصمة الإقليم، وذلك لعداء قادة هذا التنظيم الإرهابي الشديد للكرد، انطلاقاً من أيديولوجيتهم البعثية العنصرية المغطاة بلبوس الإسلام السياسي المتطرف، وكذلك بدفع من المالكي وأسياده، ولكن مخططهم اصطدم بإرادة شعب كردستان الصلبة، وشجاعة البيشمركة، ومساندة الحلفاء، وفهم قادة داعش، وجلهم من أهل السهول والصحاري أن البيئة الجبلية في كردستان لن تناسبهم أبداً.

أما العينة الثالثة، فتتجسد في الحملة الشعواء المضللة التي يشنها "المدير السابق في مخابرات صدام حسين وفيق السامرائي"، منذ احتلال الموصل وحتى الآن، ضد شعب كردستان العراق وقيادته الشرعية، وإثارته للفتن الداخلية، وتأليب الأحزاب الكردية على بعضها، وتشكيكه بقوات البيشمركة، ومناصرته لكل موبقات نوري المالكي، بما في ذلك الدفاع المستميت عنه حول تواطئه في تسليم الموصل وأسلحة أربع فرق عسكرية إلى الدواعش، والتطبيل والتزمير للحشد الشعبي.

من دون شك، فإن مثل هذه العينات لا تعبر عن مواقف الوطنيين العرب، ولا عن رؤى الثوار السوريين، ولا عن جوهر الموقف العربي العام تجاه الكرد ووجودهم وحقوقهم، وأن هناك طيفاً واسعاً، بل حركات وأحزاباً من الشركاء العرب في سوريا والعراق يؤمنون بالشراكة الحقيقية، وبالمساواة والعيش المشترك، والحل الديمقراطي للقضية الكردية، وبحق الكرد كشعب في تقرير مصيره، وبالتضامن والتكاتف أمام التحديات التي تواجه الجميع.

أخيراً نقول للتيارات المغامرة الكردية والمجموعات الانتهازية الباحثة عن مصالح حزبية فئوية: إن "رأس الفتنة" نظام طهران سيسعى إلى استخدامكم كأدوات ووسائل لتمرير مشروعه التدميري المذهبي العنصري، ثم سيلقي بكم على قارعة الطريق، وحينها لن ينفع الندم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد