مرت ثورة الغلابة دون وجود للغلابة في الشارع، دون قدرتهم حتى على التفكير -مجرد التفكير- على إبداء رأيهم وسخطهم عن الحالة الدونية التي وصلوا لها تحت وطأة نظام لا يعبأ بآلامهم، ولا يهتم بحياتهم، رغم أن أحاديثه لا تخلو من ذكراهم.
مر يوم الجمعة الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني دون استقدام روح الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، التي أهوت بنظام الرئيس حسني مبارك بعد ثلاثين عاماً من الحكم، والتي كانت سبباً رئيسياً في أن يطل علينا النظام العسكري بوجهه الحقيقي دون أية أقنعة.
مرث ثورة الغلابة وسط وجود كثيف من قوات الأمن، التي تجهزت بكامل عتادها لصد أيةِ صرخةٍ قويةٍ من هؤلاء الغلابة المطحونين، ضد قهر يعتنقونه أكثر من دينهم، ويحفظونه أكثر من أسمائهم، تجهزت القوات لصدهم عندما فقد النظام احتواءهم، ولكن الله قدر أن تكون ألسنة أولئك الغلابة قد خرست من الجوع، وأرجلهم قد أنهكها المشي لجلب لقمة العيش، وأيديهم قد كسرت وهي تمتد لجلب كيلو سكر واحد من سيارة تابعة للجيش؛ ليبقوا جميعاً في منازلهم خوفاً على حياتهم من أن يظن النظام أن خروجهم للانقلاب عليه، أو يظن الساسة أن خروجهم لعودة شرعيتهم المزعومة، بقوا لتفضيلهم الموت الآمن أكثر من الموت بالرصاص أو بين غيابات السجن، وربما بقوا ليلقنوا من تحدث باسمهم أنه يجب عليه السكوت وقتما يبدأون هم في الحديث.
انتهى اليوم على خير كما يشاع، أو كمعركة جديدة انتصر فيها النظام على أعدائه، وليبرهن على قوته وشعبيته المزعومة، انتهى دون شيء جديد، فكل يبقى في مكانه حتى إشعارٍ آخر، أو انتهى ليظل هؤلاء المتشبثون بنعت الشعب بالعبودية في نعتهم، دون أدنى اعتبار لمشاعر البسطاء من شعب لم يتوانَ عن التضحية بحياته طوال اختبارات الزمان، ولربما انتهى اليوم لإيهام النظام بتلك القوة التي مغرم بالحديث عنها، حتى لا يكون مستعداً لمعركة فاصلة تقضي عليه، ولكن تبقى الثورة تحت الرماد، أعمى من لا يراها، أصم من لا يسمعها، فالثورة موجودة في كل وسيلة مواصلات يركبها الغلابة، أو تراها في كل طابور للعيش أو لحصة تموينية أو أنبوبة بوتاجاز، تسمعها في الأحاديث على القهاوي، موجودة بعيداً عن إعلام النظام وأتباعه، وحتى بعيداً عن إعلام المعارضة وأحزابها، موجودة في أعين دامعة ووجوه بائسة عليها غبرة.
انتهى كغيره من الأيام التي دُعي لها من قبل، وليمهد لدهس قادم لهؤلاء الغلابة الذين فكروا في أن يقوموا بثورة ضد الفتوة الذي يحميهم، كافرين بنعمه عليهم، التي لولاها لأصبح مصيرهم كمصير سوريا أو العراق، لدهس من قبل هذا الفتوة الذين يظن أنه قائم ميزان العدل بقوته، متناسياً أن الفتوة العادل هو من يمنح أولئك الغلابة الحرية والعيش، بدلاً من الدهس.
انتهى ليطرح عدة أسئلة على الجميع بمن فيهم الغلابة، لعل أبرز تلك الأسئلة هي التي توجه إلى المعارضة المصرية، متى تستطيعون استغلال الظروف السيئة التي تحيط بالنظام لتستطيعوا خلق نظامكم العادل الذي تنشدون؟ بينما يسأل النظام عن متى يستطيع الشعور بالخطر من تفاقم الأوضاع في الوطن ويعود كل إلى عمله في ثكنته ويفتح المجال للديمقراطية والحرية والعدالة أن تأخذ دورها حتى لا تغرق سفينة الوطن بكل ما فيها؟ ولا بد للغلابة أن يُسألوا متى يستطيعون خلق وطنهم الذي يعترف بهم أو بالأحرى يعمل لصالحهم؟ فمتى وجدوا وطناً للغلابة وجدوا أنفسهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.