كوريا ترفض سطوة ونفوذ أصدقاء رئيستهم

في واقعنا قد لا نصدّق حدوث مثل هذه الاحتجاجات، فضلاً عن أنه يصعب القبض أو التحقيق مع هذه النوعية من الأصدقاء؛ حيث يتمتعون بحصانة صنعتها هذه العلاقة، يصعب المساس بها لنبقى دائما حيارى و"مشدوهين" ومأسورين أمام قصص ومواقف "مثالية" تحدث في غير بلداننا العربية والإسلامية

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/14 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/14 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش

خرجت يوم الجمعة الماضي في العاصمة الكورية سيول تظاهرات حاشدة وغاضبة، تجاوزت أعداد المشاركين فيها -بحسب بعض التقارير- 200 ألف شخص، كانوا يطالبون بتنحي رئيسة كوريا الجنوبية بارك كون هيه، وذلك ضمن تحركات واحتجاجات يبدو أنها لن تتوقف إلا برحيل هذه الزعيمة، أو أن تغييرات سياسية كبيرة قد تشهدها حكومتها، وتطال جهازها التنفيذي، حتى تمتص الغضب وتهدئ الشارع الذي رفعت الشرطة الكورية حالة الاستعداد لضبط الأمن فيه، ومواجهة هذه الاحتجاجات، ودفعت لأجل ذلك ما يقارب الـ20 ألف شرطي.

والسبب في كل هذه التظاهرات والاحتجاجات يعود إلى قيام السلطات الكورية بالتحقيق والقبض على تشوي سون سيل، وهي إحدى الصديقات المقرّبات للرئيسة الكورية على خلفية اتهام – أو اشتباه باتهام – لها بتدخلها في شؤون الدولة، وتأثيرها على عمل الرئيسة، واستغلالها النفوذ، والاستفادة من علاقتها بالرئيسة في تمرير بعض المعاملات والإجراءات، وما شابه ذلك من تسهيلات نسمّيها، أو نعتبرها في عموم دول العالم الثالث "واسطات"، أو "محسوبيّات"، يستفيد منها القريبون من شخصيات الحكم وقياداته بشكل -ربما- علني، ودون خوف أو مواربة، إذ إن أهالي وأقارب وأصدقاء الحكام والوزراء ومَن في مستواهم لهم سطوة ومناصب ونفوذ وتجارة قائمة أصلاً على وجود هذه العلاقة، علاقة الصداقة والقرب من رأس أو رؤوس الهرم في الدولة.

مثل هذه العلاقات الحميمية تكون هي في الغالب بمثابة المؤهل والخبرة والكفاءة أو مفتاح لمغاليق الأبواب وسند لامتلاك العقارات، ورصيد لقيام تجارة واستثمار وتذكرة لحصول مكاسب وثروات ما كان لها أن تصير وتتضخم لولا هذه العلاقات التي رفضها الكوريون، ولم يرتضوها لزعيمتهم وفق ميزان للفساد حسّاس جداً لا يقبل حتى الاشتباه بوقوع فساد، تحت أي مبرّر، وحصولها تدفعه للتظاهر في الشوارع والساحات على النحو الذي شاهدناه يوم الجمعة الماضي في سيول.

حالة التكسّب والتمصلح من مثل هذه العلاقة في دول العالم الثالث عادية جداً، وليست محل استغراب وإنكار، ولا يمكن تصوّر تسميتها بـ"الفضيحة"، التي تستدعي خروج تظاهرات يشارك فيها عشرات -وربما مئات- الآلاف في كوريا الجنوبية تجبر رئيستهم بارك كون هيه على أن تخرج على الملأ يوم الجمعة وتقدّم اعتذارها للأمة، عبر خطاب تلفزيوني طلبت من خلاله من ممثلي الادعاء العام توضيح ما حدث، مؤكدة أنه "يجب محاسبة كل من له صلة بالأمر، بمن في ذلك هي ذاتها، وأنها ستتحمل المسؤولية إذا تمت إدانتها"، ثم تابعت بصوت مرتعش: "قلبي ينفطر.. من الصعب أن أسامح نفسي، أنا أنام الليل ويغمرني شعور بالأسف".

في واقعنا قد لا نصدّق حدوث مثل هذه الاحتجاجات، فضلاً عن أنه يصعب القبض أو التحقيق مع هذه النوعية من الأصدقاء؛ حيث يتمتعون بحصانة صنعتها هذه العلاقة، يصعب المساس بها لنبقى دائما حيارى و"مشدوهين" ومأسورين أمام قصص ومواقف "مثالية" تحدث في غير بلداننا العربية والإسلامية، وأصبحنا عند قراءتها أو السماع بها نندب حظوظنا، ونشكو حالنا، وعدم حصولها في أوطاننا، وكأننا جزء آخر من العالم لا علاقة لنا بما يحدث فيه من ممارسات و"آداب" تتعلق بالنزاهة والاستقامة يُفترض أن ديننا وقيمنا وأعرافنا تلزمنا بها أو نكون السبّاقين فيها.

سانحة:
ما حدث في كوريا الجنوبية هو وضع طبيعي ومفترض ومقبول في الوعي الجمعي في تلك الدول، بينما قد يُعدّ في دول العالم الثالث من عجائب الدنيا وغرائب الزمان.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد