هناك ما يشبه الإجماع بين مختلف المحللين السياسيين المتابعين للشأن السوري على أن الحسم بجانبَيه السياسي والعسكري مستبعد كلياً من الآن، وحتى انتخاب وتنصيب رئيس أميركي جديد، أي حتى أبريل/نيسان من العام القادم؛ نظراً -وكما هو معروف- لخضوع القضية السورية ومستقبلها لمشيئة الخارج، وتحديداً للقوتين الأكبر؛ الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، اللتين تشتركان معاً في توافقات أساسية، من حيث المبدأ حول سوريا، وبذلك يشكل الزمن المتبقي "وقتاً ضائعاً" قد يشهد عمليات كر وفر في مختلف الجبهات الساخنة من دون تحقيق أي حسم نهائي.
وستشهد الساحة السورية في غضون المدة المتبقية على الأغلب، وحسب المؤشرات والأحداث المتتالية اختبارات عرض القوة وخطوات تكتيكية لبسط النفوذ والتمدد على طريقة تسجيل النقاط بين اللاعبين الإقليميين من الدرجة الثانية، وامتداداتهم المحلية المصنفة في الدرجة الثالثة إلى جانب "داعش" ومخلفات "القاعدة" وما بقي من عسكر وشبيحة نظام الاستبداد والميليشيات المذهبية -الأممية- من دون إغفال المداخلات العسكرية الجوية المستمرة من جانب العدو الروسي المحتل، كلما دعت ضروراتهم إلى ذلك، خاصة في مجال الحفاظ على توازنات مرسومة معينة على الأرض.
وكما أفرزت المقدمات الأولية لمعركة الموصل واندفاع الميليشيات المذهبية المرتبطة بإيران تحت مسمى "مجموعات الحشد الشعبي" نحو المزيد من التصعيد والمغالاة والتلويح بحرق الأخضر واليابس، والتوجه فيما بعد لنصرة نظام الأسد، وإعلان حكام طهران إقامة قاعدة عسكرية مستجدة في القيارة جنوب الموصل، وردود الفعل التركية المتسمة بالتهديد والوعيد، وإعلان الالتزام بحماية أهل السنة من التركمان والعرب في الموصل وتلعفر، فإن الدلائل تشير – إنْ تحوّلت تلك التهديدات الكلامية والردود عليها إلى فعل على الأرض- إلى أن نظامَي طهران وأنقرة سيقودان صراعاً مذهبياً مريراً وقوده شعوب المنطقة، وساحته سوريا وجزء من العراق، وتحديداً محافظة نينوى والخط الممتد من الموصل وتلعفر وربيعة وسنجار.
القيادة السياسية لإقليم كردستان العراق بحكمتها المعهودة تدير عملية الصراع ضد إرهاب داعش بحنكة منطلقة من مصالح شعب كردستان العراق، حريصة على وحدة العراقيين بكل مكوناتهم في مواجهة خطر الإرهاب والنزعات الطائفية الانقسامية، وتحاشي الفتن المخططة لها، والابتعاد عن كل ما يفرق بين الكرد والعرب وسائر المكونات (إقرار عدم دخول البيشمركة إلى مركز مدينة الموصل مثلاً) بعكس الأداء الفاشل والمضر والاستفزازي لقيادة "ب ي د" في حدود سلطتها (الأمر الواقع) وهذا ينعكس سلباً على مستقبل الكرد السوريين، خاصة أنها متورطة في الانخراط بالمشروع الإيراني – الأسدي، ومن غير المستبعد أن تكون إحدى الأدوات المنفذة للمخطط المرسوم ضد كرد العراق، خاصة فيما يتعلق بسنجار وربيعة وجيوب أخرى (وهذا ما لا يتمناه أحد).
نعود لموضوعنا الرئيسي المتعلق بالوقت الضائع، بالقول إن فترة ما يقارب الأربعة أشهر ليست بقليلة في الحالة السورية، وإذا تركنا التصريحات المتناقضة الصادرة من قيادة الائتلاف والوفد التفاوضي جانباً التي تصب أساساً في عملية الحفاظ على ماء الوجه ورفع العتب، والتي تخلو من أي كلام سياسي، ولا تتعدى نشر الأخبار وإحصاء الضحايا، مع إصرار بعض آخر على حضور جنيف ولوزان من جديد، حتى لو كان بهدف السياحة السياسية، فإن الوقت الآن أكثر من مناسب للبقية الباقية من قوى الثورة والمعارضة الوطنية الشريفة للتوافق على عقد المؤتمر الوطني السوري لاستعادة الشرعيتين الوطنية والثورية وإطلاق البرنامج السياسي، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لإدارة المرحلة القادمة.
كما أرى فإن الفرصة سانحة لإنجاز هذه المهمة التاريخية العظيمة، التي لا تقل أهمية عن انطلاق الانتفاضة الثورية قبل أكثر من خمسة أعوام، بل هي تجديد لها وتعزيز لمكانتها وإعادة لبنائها من جديد، وذلك بالمبادرة في تسمية اللجنة التحضيرية من ممثلي مختلف الأطياف والتيارات الوطنية الثورية؛ لتكون المنوطة بالإعداد للمؤتمر المنشود، وخلال الأربعة أشهر القادمة عندما تعود الحياة للإرادة الدولية، وتتكشف المخططات الإقليمية على نحو أوضح، ستكون لدى السوريين قيادة سياسية بجناحها العسكري جاهزة لتمثيل شعبنا وثورته، وتواجه كل التحديات الماثلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.