بعيداً عن التكهنات، لم يتوقف الناس خلال اليومين الماضيين عن التساؤل دون
الوصول لإجابة شافية: لماذا فاز نرامب؟
بعد مراقبة للسياسة الأميركية أَجْملَت الوضع في تغريدات موضوعية تجيب عن الكثير من الأسئلة:
١- بداية الانتخابات، كنت أتوقع فوز بيرني ساندرز؛ بل ومتأكد منه. والذي حصل أن الحزب الديمقراطي سرق الفوز منه.. لماذا ساندرز، وترامب؟
هما المرشحان الوحيدان اللذان جاءا من خارج المؤسسة السياسية، وهما الوحيدان اللذان أعلنا أنهما لن يقبلا تبرعات من اللوبيات (أفراد فقط)، وهما الوحيدان اللذان قالا إنهما سيغيّران النظام كلياً (ساندرز وصفها بثورة).
٢- فهْم النقطة السابقة هو المفتاح الأساسي لفهم ما جرى بعد ذلك.
الناخب الأميركي ملّ من السياسيين ووعودهم، ولم يعد يثق بهم مطلقاً.. وكانت الرغبة عارمة في أننا بحاجة لرئيس من خارج دوائر واشنطن ونخبتها الفاسدة.
لذلك، مثلاً، كانت نتائج جيب بوش (شقيق الرئيس السابق جورج بوش).. وحاكم فلوريدا السابق مخيّبة عكس ما كان يظن هو وداعموه.
٣- وأما هيلاري، السياسية قلباً وقالباً، وصلت للنهائي لعدة أسباب:
– صوّت لها النساء دون تفكير لأنها امرأة.
– ساعدتها قيادات الحزب الديمقراطي؛ لأنها فاسدة وتحت السيطرة ولا خوف منها.
– ساعدها الإعلام المنحاز، بالتخويف من ترامب، خصوصاً لدى المكسيكان.
– بعد خروج ساندرز (بمؤامرة)، لم يتبق إلا هي من الحزب الديمقراطي.
٤- بدايةً، يجب أن أوضح أن ترامب ليس غبياً، ليس سطحياً، وليس رجل الصدفة.
كان الكل (ولا أستثني نفسي) يرون ترامب مهرّجاً، وهو الذي كان يعرفه الشارع الأميركي جيداً بسبب برنامجه الشهير (The Apprentice).
شاهِدوا هذا المقطع لمعرفة ترامب الحقيقي، وبداية رحلته للبيت الأبيض.
٥- بسبب شهرته وتصريحاته الخارجة عن المألوف، منحه الإعلام تغطية غير مسبوقة وأصبحت القنوات تتسابق لإجراء مقابلات معه، وكان ذلك لسببين:
– حضوره سيزيد من عدد المشاهدات، مما سيولّد إعلانات أكثر.
– هو مهرج، وبالنهاية لن ينتخبه الشعب الأميركي. لذا، لا ضرر من حضوره.
أقرب مثال، هو قنواتنا عندما كانت تستضيف المصرية صاحبة (شت أب يور ماوس أوباما) أو (شعبولا) قبلها!
٦- ما منحه الإعلام الأميركي من تغطيات لترامب مجاناً، كانت ستكلف مئات الملايين لو طلبها غيره، وهذا الطمع (بالإعلانات).. واللامبالاة (القراءة الخاطئة) كانا بداية بروز هذا (البلدوزر) ووصول رسالته للناخب الأميركي.
٧- يجدر القول إن ترامب كبير في السن (٧٠ سنة)، وهو أكبر مرشح رئاسي سنّاً بتاريخ الانتخابات الأميركية، ولكنه -ومع ذلك- يملك نشاطاً وطاقة عجيبة.
ويقول عنه دكتوره الشخصي إنه لا يشرب ولا يدخن، لكنه في الوقت نفسه لا يمارس الرياضة ويأكل اللحم بشراهة!
تلك الطاقة جعلته حديث الساعة، تفتح قناة فضائية تجده في مقابلة، الأمر نفسه بالمذياع، ويكتب بتويتر ليل نهار.. لدرجة أنه تم اكتشاف أنه يغرّد أحياناً من المرحاض!
٨- ترامب، وعن طريق تلك التغطية الإعلامية الهائلة (وغير المقصودة)، أوصل رسالته البسيطة، بلغة بسيطة، للناخب الأميركي البسيط..
ما هي تلك الرسالة؟
الرسالة التي كانت -بلا شك- سبب شعبية ترامب، بفوزه برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
٩- ترامب ركّز على عدة نقاط، واستمر يذكرها بلا تغيير أو ملل من البداية إلى ما قبل يوم النتائج، وأبرزها:
* أنا غنيّ ومستقل ولست مديناً لأحد.. لذا، إن حكمتكم فسأعمل لأجلكم وليس لأجل أي جهة أخرى. أما غيري، وعلى رأسهم هيلاري، سيعملون من أجل داعميهم من بنوك ولوبيات كبيرة وفاسدة.
* أنا ناجح، انظروا لتاريخي، أنشأت العديد من المشاريع العملاقة الناجحة، وهذا ما سأقوم به لأميركا، عكس بقية المرشحين.. الذين لم يفعلوا شيئاً ذا قيمة في حياتهم ولا يجيدون إلا الحديث.
* أنا سأطوّع القوانين من أجل إعادة الوظائف لأميركا، وهذه نقطة حساسة للناخب الأميركي. فأغلب الشركات أصبحت تغلق مصانعها وتصنّع منتجاتها في الخارج (الصين، والمكسيك) بسبب رخص تكلفة العمالة مقارنةً بأميركا، وذكر أن أي جهة (واستشهد بـFord وApple) لن تقبل بتصنيع منتجاتها بأميركا.
* سأفرض على منتجاتها القادمة من الخارج ضرائب ضخمة، مما يضطرهم بالنهاية إلى إعادة التصنيع بأميركا وهو ما سيولّد وظائف بالداخل.
ترامب وصف نفسه هنا بالتالي: سأكون أكبر رئيس مولّد للوظائف خلقه الله بتاريخ أميركا!
* أنا أفهم كيف يعمل الفساد بأميركا، لأنني كنت جزءاً منه، اضطراراً بسبب أعمالي ومصالحي موّلت الكثير من هؤلاء الدمى، وضرب مثالاً بأنه يوم زواجه اتصل بهيلاري وأمرها بالحضور، ولم تستطع الرفض؛ لأنه دعمها مالياً!
كان يضرب هذه الأمثلة لإيصال رسالة: أنا أفهم هذا المستنقع جيداً وسأقوم بتنظيفه!
* المهاجرون، وهذه نقطة أُسيئ فهمها، خصوصاً لدينا، وسبب ذلك الإعلام المنحاز لهيلاري.
ترامب، كأي وطني، يقول إنه لا يجوز أن يدخل أميركا أي شخص بشكل غير قانوني (تهريب)، ويستولي على وظيفة ويحرم الأميركي دافع الضرائب منها.
ترامب تحدث عن نقطة تهم المواطن الأميركي بأعلى درجة أكثر من تهويلات الإعلام عن مغامراته الجنسية، التي ذكرت بأول يوم أنها لن تقدم ولا تؤخر؛ لا بل ربما تساعده!
* بأميركا، يوجد ١١ مليون شخص يعملون بشكل مخالف للنظام، دخلوا البلاد عن طريق عبور الحدود من المكسيك (تهريب) ويعرف ترامب (والأميركان بالشارع) أن جزءً كبيراً من هؤلاء هم مجرمون، مهربو مخدرات، ومغتصبون.
بل والرواية المقتنع بها ترامب وجمهوره، أن المكسيك تخرجهم من السجون وترسلهم للحدود ليعبروا إلى أميركا، لكي لا تتكفل بدفع إعاشتهم في السجون!
*عندما ذكر ترامب أنه سيبني جداراً فاصلاً بين المكسيك وأميركا، لإيقاف الهجرة غير الشرعية (التهريب) وسيجبر دولة المكسيك على دفع ثمنه؛ بل وسيقبض على المهاجرين غير الشرعيين ويعيدهم إلى المكسيك، انتفض الإعلام ضده، وصوره على أنه هتلر جديد. الذي لم يعرفوه، هو أن هذه الرسالة بالذات كانت المفتاح لقلب الناخب الأميركي، الذي مل من عدم وجود وظيفه براتب معقول؛ لأن المكسيكي يقبل بأجر منخفض ودون تأمين!
ومل من رؤية نسبة الجرائم ترتفع بسبب تلك العصابات الخارجة عن السيطرة.
ترامب والمسلمين
* المسلمون، وهذه أيضاً نقطة أسيئ فهمها، وذلك بسبب الإعلام المنحاز ومن يُسمّون المثقفين) الذين ينقلون عنه!
لدى ترامب قناعة مطلقة ومرعبة، وخطيرة، وهي أن "داعش" صنيعة لحكومة أوباما وهيلاري!
ذكر ذلك بإحدى كلماته، ثم عاد وحاول أن يلطف الأمر بأنهما صنعا الأرضية التي أنتجتها.
* ترامب مقتنع بأن "داعش" صنيعة أوباما، وأنه -وهيلاري والمؤسسات الداعمة لهما- وراء أزمة اللاجئين، وأن الهدف من ذلك هو نقل أكبر عدد من أعضاء "داعش"، تحت غطاء لاجئين، لأميركا والدول الأوربية، وذلك لاستخدامهم لاحقاً.
لذلك، كان ترامب واضحاً بأنه لا يريد للاجئين أن يأتوا لبلاده، وعدم استقبال أي زوار من دول إسلامية إلى أن يتمكنوا من بناء نظام فعّال (Vetting Process) يستطيع أن يضمن أن أي زائر لأميركا لا يشكل خطراً عليها.
لو كنتَ أميركياً، ضع نفسك مكانهم، هل كنت سترفض ذلك؟
* عموماً، وتحت الضغط، تراجع ترامب وذكر أنه سيطبق ذلك فقط بحق الدول الواقعة تحت حروب وإرهاب. وطبعاً، إصراره على إبقاء إمكانية اقتناء الأميركي سلاحاً شخصياً للحماية (ترفضها هيلاري) جزء من ذلك.
* سيلغي أو يغير اتفاقيات التجارة التي أضرت بأصحاب الأعمال الصغيرة بأميركا، سيخفف الضرائب، سيستبدل نظام Obamacare للرعاية الصحية الذي ثبت أنه فاشل ومكلف ومفيد لشركات التأمين فقط، سيعيد تطوير البنية التحتية التي أشعرت المواطن الأميركي -عندما يزور دبي وقطر (كما ذكر نصاً)- بأن أميركا من دول العالم الثالث! وسيعيد تطوير الجيش الأميركي الذي تعود بعض أسلحته للحرب العالمية الثانية، وسيهزم "داعش" بعقر دارها!
* هذه النقاط هي، ببساطة، ما يعني المواطن الأميركي، وليست القضايا، مثل المناخ، التي تتكلم عنها هيلاري ويقول عنها ترامب بأنها خدعة وغير حقيقية أصلاً. هذه النقاط تمس المواطن الأميركي بحياته اليومية:
* وظيفته
* صحته
* وأمنه.
وهي التي ركز عليها ترامب، دون كلل أو ملل، بكل خطاب ومقابلة وRally أجراه.
ولأنه ليس سياسيا، وغير مسيطر عليه، اقتنع الناخب الأميركي بما يقول.
ترامب والإعلام الأميركي:
١٠- إذا كان هذا ترامب، وهذه رسائله، فلماذا رأيناه عكس ذلك؟ متعصب، غبي، إقصائي، وكاره للمسلمين والأقليات؛ بل وكاذب وشرير؟!
إنه الإعلام يا سادة.
قصة الانتخابات الأخيرة حملت الكثير من المفاجآت، وليس أكبرها فوز ترامب؛ بل المفاجأة الكبرى هي حقيقة الإعلام الأميركي.
١١- كنا دائماً نسمع أن الإعلام الأميركي مُسَيطرعليه من مجموعة أشخاص نافذين ويحركونه كما يريدون، لكنها كانت نظرية لم يستطع أحد إثباتها؛ لأن تلك المؤسسات كانت تعمل بذكاء شديد ومنهجيات خداع عبقرية.
١٢- هذا الإعلام عندما شعر بخطئه بإبراز ترامب، وأنه من الممكن أن يفوز.. وهو ما لا يمكن قبوله؛ لأن ترامب ليس دمية كغيره ولا يمكن التكهن بما سيقوم به، تم توجيهه من قبل ملّاكه بأن يقوم بالتالي:
* تخفيف الظهور الإعلامي لترامب لأقصى درجة.
* تشويه صورته وإبرازه كشخص غبي وسيئ ونشر أي فضائح ممكن اكتشافها عنه.
* تحسين صورة هيلاري وإخفاء أي شيء ممكن أن يضر بسمعتها (تسريبات ويكيليكس مثلاً).
* نشر إحصاءات واستفتاءات مزيفة، باستمرارٍ، أن هيلاري ستفوز، لكي تموت الحماسة لدى ناخبيه فلا يذهبون للتصويت أصلاً.
١٣- الإعلام الأميركي قام بذلك بجدارة، والحق يُقال إنني كنت أحد الذين وقعوا في الفخ بالبداية (وشتمت ترامب في بداية الانتخابات بتويتر).
إلا أن شيئاً حدث لم يكن لهم القدرة على مجابهته، وهو Trump Rallys، أو التجمعات الانتخابية لترامب، بالإضافة Twitter & Youtube.
١٤- قام نرامب، بشكل شبه أسبوعي، بالقيام بتجمع انتخابي، يزور ولاية، ثم يعلن بتويتر عن تجمّع بأحد الأماكن (أستاد رياضي مثلاً)، فيأتي عشرات الآلاف للتجمع، ويتم البث على Youtube.
كان هذا بديلاً للإعلام والقنوات التلفزيونية التي توقفت عن تغطيته، وعن طريقها كان ترامب يوصل رسائله (التي تدخل قلب الناخب)، ويفنّد كذب الإعلام عنه، نقطةً نقطة، وبلغة بسيطة وواضحة، ويخاطب سكّان كل ولاية بالقضايا التي تهمهم تحديداً وكيف سيحل مشاكلهم.
١٥- في تلك الأثناء، وصل الإعلام الأميركي لأقل درجات المهنية: كذب يومي، إخفاءٌ للحقائق، وتزوير وتأليف استفتاءات لا أساس لها، لدرجة أن CNN قطعت البث عن أحد أعضاء الكونغرس (عيني عينك) عندما تجرأ وذكر تسريبات ويكيليكس عن هيلاري!
١٦- بل وصلت أن يتم قطع الإنترنت عن سفارة الإكوادور، حيث يقيم أسانج بتهديدٍ من الحكومة الأميركية، لكي لا يسرب فضائح أكثر لهيلاري.
كنت أشاهد هذه الأمور وأفرك رأسي، أولاً: كيف يغامر الإعلام الأميركي بهذا الشكل؟ وثانياً: كيف لا ينتبه إلى الأمر من يُصنّفون كمثقفين لدينا وهم ينقلون عنه الببغاوات دون وعيٍ أو إدراك!
ما جرى بأميركا في هذه الانتخابات، كان يتطلب بصيرةً لا بصراً لرؤيته على حقيقته، وهي كانت أوقات مثيرة بلا شك.
مصدر الصورة تجده هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.