لماذا انتخب البيض في أميركا دونالد ترامب؟

قد نفسر إذاً أن هؤلاء خائفون من ضياع امتيازاتهم "كبيض" وأصبحوا مهددين من قبل الأقليات المهاجرة الأكثر كفاءة؛ لذلك بالنسبة لهم فإن دونالد ترامب هو صمام الأمان.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/10 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/10 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش

كنت دائماً أسمع هذه الأسئلة: هل الشرقيون العرب وخصوصاً المسلمين جاهزون للديمقراطية؟ هل هناك تعارض بين الإسلام والديمقراطية؟ هذه الأسئلة تنبع من فكرة أن الدول "المسلمة" فشلت في هندسة نظام سياسي ديمقراطي ناجح خلال العقود السابقة، وعندما أتيحت الفرصة في أي دولة عربية للانتخابات، انتخب الشعب المرشح الأكثر ديكتاتورية ودموية.

لا أظن أن هذه الفرضية واقعية، خصوصاً في ظل المناخ الجيوسياسي العربي في العقود السابقة والحالية. ولكن بعد الانتخابات الأميركية التي أنجبت صبياً (ترامب) وليس بنتاً (كلينتون) كما توقع الأكثرية، تلك الأسئلة تأتي لمخيلتي: هل يستحق الأميركيون انتخابات ديمقراطية؟ وهل يجب أن نقبل بنتائج الانتخابات الديمقراطية إن أتت برئيس فاشي يحث على الكراهية؟ تلك الأسئلة ليست جديدة، ولكنها كانت تدور بين فلاسفة السياسة منذ أفلاطون.

في كتابهم، الشكل الجديد: أربع أفكار شكلت العصر الحديث، كتب سكوت مونتغمري ودانيل شيروت:

"صعود الديمقراطية" حول العالم يمكن أن يكون مرتبطاً بثلاثة عوامل: أول عامل هو النجاح التاريخي وقوة بريطانيا العظمى بنظامها البرلماني الذي أبعدها عن النظام الملكي. ثانياً، حركة التنوير التي أسست لأفكار "الحرية" وجعلت هناك صلة بين التقدم المادي والحرية الفردية. ثالثاً، ازدياد النفوذ الأميركي حول العالم كمثال "جيد" للديمقراطية.

ولكن بعد الأحداث التي شهدناها في السنوات الماضية يمكن أن يكون انهيار الديمقراطية حول العالم أيضاً مرتبطاً بنفس تلك البلاد، بل إن السحر قد ينقلب على الساحر: فيكون انهيار الديمقراطية بسبب اختيار الشعب الإنكليزي الخروج من الاتحاد الأوروبي. ثانياً، انتصار الأفكار الفاشية عكس "التنويرية" في أوروبا. ثالثاً، انتخاب أميركا لمرشح الكراهية ترامب.

كل هذه الأحداث كانت نتيجة الانتخابات الديمقراطية، قد يقول بعض الناس مثل عالم الأعصاب دان أريلي (Dan Arielly) إن هذه النتيجة الانتخابية في أميركا كانت نتيجة عدم المساواة الاقتصادية ونقص التعليم.

حسب النتائج الرسمية المعلنة، فإن أكثر من 90 في المائة من الأصوات لدونالد ترامب تأتي من قاعدة الحزب الجمهوري والكثير منهم يعتبر متعلماً وفوق ذوي الدخل المتوسط الوطني بالمعايير الأميركية.

قد نفسر إذاً أن هؤلاء خائفون من ضياع امتيازاتهم "كبيض" وأصبحوا مهددين من قبل الأقليات المهاجرة الأكثر كفاءة؛ لذلك بالنسبة لهم فإن دونالد ترامب هو صمام الأمان.

أحد الأسئلة التي تدور في ذهني هي: ما هو تعريف "تعليم أفضل" في مجتمع انتخب ترامب رئيساً؟

في مجتمع علماني رأسمالي هناك افتراض بأن تعليماً أفضل أو أكثر (في مقابل تعليم أقل) سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى تعصب وكراهية أقل وسيمهد لنظام ديمقراطي ليبرالي مزدهر، قد تكون هذه الافتراضية صحيحة، ولكن المشكلة تكمن في أن "جودة" التعليم لا تدرس وتفحص لو كان الاقتصاد ما زال في نمو، وإن كان أصحاب المصالح تزداد ثرواتهم.

للأسف، النظام الحالي يقيس "التعليم" بمسطرة النجاح الاقتصادي فقط، ولا يضع "الأخلاق" كمسطرة ومعيار على الإطلاق، بل إن الأخلاق أصبحت شيئاً ثانوياً إن كانت موجودة أصلاً! فلو كان هناك أخلاق حقاً فإن الشعب الأميركي لم يكن لينتخب رئيساً متحرشاً جنسياً! وكل هذا من أجل الاحتفاظ بحقوقهم ورفاهيتهم الاقتصادية.

إذاً ليس "نقص التعليم" هو المشكلة؛ بل إن المشكلة الكبرى هي "نقص الأخلاق"؟ الحقيقة هي أنه يجب أن يكون هناك زواج بين التعليم والأخلاق، فقد وضعت هذه الانتخابات والكثير من الأحداث في جميع أنحاء العالم المسمار في نعش أولئك الذين يقولون: "نحن في القرن الـ21…"، للتعليل أن هناك "تقدماً أخلاقياً". غياب الأخلاق الذي أدى إلى انتخاب ترامب هو بسبب غياب "البوصلة الأخلاقية" في المجتمع كما يقول الفلاسفة الأسدير ماكينتير (Alasdair Macintyre) وجون جراي (John Gray).

ففي المجتمع الحديث، أصبحت الفضيلة والأخلاق أشياء اعتباطية وفقط ترتبط بالمصالح والازدهار الاقتصادي، إذا كان هناك بوصلة أخلاقية، فبالتأكيد لما وصل ترامب إلى البيت الأبيض.

باختصار ماذا عن المستقبل؟

بالطبع سأكون كاذباً لو حاولت التنبؤ بالمستقبل؛ لأنه لم يتخيل أحد أن أميركا ستنتخب ترامب، فكيف نتنبأ بالمستقبل؟ الخوف كل الخوف من هروب رأس المال والمستثمرين من أميركا، مما قد يتسبب في ركود اقتصادي ويساهم هذا في زيادة عدم المساواة الاقتصادية ويؤدي الوضع إلى عنف مجتمعي عنصري لا مثيل له.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد