جريمة “قصف مكة” فقهياً وسياسياً!

إن قصف مكة بالصواريخ جريمة توحي إلى أي مدى وصل المخطط الغربي في تفتيت بلاد المسلمين، فالمعركة، كما قال صامويل هنتغتون في كتابه الشهير صدام الحضارات، ليست ضد التطرف الإسلامي، كما يدعي بعض الغربيين، بل ضد الإسلام ذاته!

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/10 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/10 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

"إن مشكلتنا ليست مع التطرف الإسلامي، كما يدعي بعض الغربيين، بل إن مشكلتنا مع الإسلام نفسه، وأربعة عشر قرناً من التاريخ تؤكد ذلك" (صامويل هنتغتون – صدام الحضارات).

أجمع أساتذة العلوم السياسية تقريباً على أن الدولة عبارة عن ثلاثة مكونات متمايزة: الإقليم (الأرض)، والشعب، والنظام السياسي، وإذا صح هذا التقسيم في حق جميع الدول، فهو واجب وضروري في حق الدولة السعودية بالذات، التي تمارس سيادتها على الأراضي المقدسة، بحيث يجب ألا تمتد قدسية الأرض التي تحت ولايتها إلى تقديس النظام الذي يحكمها، فالأرض مقدسة طال الزمان أم قصر، والأنظمة بشر، تخطئ وتصيب.

والأرض المقدسة، التي هي أمانة في رقاب المسلمين جميعاً، تتعرض الآن لهجمات صاروخية من الشيعة، الذين لم يخفوا رغبتهم في اجتياح مكة، كما فعل القرامطة الشيعة من قبل، واختطفوا الحجر الأسود قرابة 22 سنة، واليوم تنشر القنوات الموالية للشيعة وفي قلب القاهرة -التي لا ينسون أن مَن بناها أصلاً جوهر الصقلي الشيعي- صور لمرشد إيران خامنئي وهو يلتقط السيلفي وخلفه أبراج الرياض.

إن قصف مكة بالصواريخ جريمة توحي إلى أي مدى وصل المخطط الغربي في تفتيت بلاد المسلمين، فالمعركة، كما قال صامويل هنتغتون في كتابه الشهير صدام الحضارات، ليست ضد التطرف الإسلامي، كما يدعي بعض الغربيين، بل ضد الإسلام ذاته!

وبعد أن ضُربت الأطراف، بدأ التفكير في القلب، فبدأ حصار السعودية سياسياً واقتصادياً، وصارت المملكة مستهدفة الآن عسكرياً بشكل غير مسبوق.

لكن هل كان قصف مكة بالصواريخ كان عملاً عابراً؟ أم جريمة مبيتة؟ وهل يتحمل وزر هذه الجريمة الحوثيون وحدهم؟ أم مَن أمدَّهم بالصواريخ (التي قطعت مسافة قاربت الألف كم) من إيران، ومَن تعاون معهم سياسياً وعسكرياً، مثل نظام السيسي في مصر، الذي دعمته السعودية في انقلابه الدموي في 2013؟ هكذا يجب أن تطرح القضية، حتى نكون على قدر المسؤولية.

إن قصف مكة بالصواريخ بالونة اختبار لمدى فاعلية استراتيجية إلهاء الشعوب وقمعها خلال العقود الماضية، وكالعادة انتفضت قطاعات من الشعوب بينما الأنظمة في خبر كان، وقطاع عريض من الناس لا يلقي بالاً لهذه الأخبار.

الأرض المقدسة في قلوب المسلمين جميعاً، لكن هذا لا يمنعنا من انتقاد النظام السعودي وتبيان أخطائه وجرائمه، أم أن قدسية الحرم تعدت لتقديس النظام؟

خلال التاريخ، شهدت الأرض المقدسة حكاماً خونة، ظالمين فاسدين مستبدين، لم يتوانَ علماء الأمة عن وصفهم بالخيانة، ولم يشفع لهم أنهم كانوا يحكمون الأرض المقدسة.

فمن الحجاج الذي قصف مكة بالمنجنيق، وذبح عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، إلى الشريف حسين الذي تآمر مع الإنكليز ضد العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، إلى الدولة السعودية الثالثة التي تحالفت مع الأميركان فأمدتهم بالنفط بشكل متواصل وسعر رخيص طيلة عقود، وجلبت قواعدهم العسكرية إلى جزيرة العرب بعد أن طهرها الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين، وكلها نماذج لفساد واستبداد لا يشفع له حكم الأرض المقدسة.

وستظل مكة قِبلة المسلمين جميعاً، لا ملكاً لآل سعود، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه" (البخاري – كتاب المظالم).

على هذه الأمة أن تستفيق، ولن تفعل حتى تواجه أخطاءها، وإذا كان الشيعة الحوثيون مجرمين، فيجب أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم، وعلى رأسهم النظام السعودي الذي دعم اجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.

فالنظام السعودي، بقيادة خالد التويجري أمين الديوان وقتها، كان قد اقتنع بوجهة النظر الإماراتية أن الإخوان هم الخطر الأكبر على المملكة؛ لأنهم ينافسونها على قيادة العالم السني، بينما الشيعة مرفوضون وغير مقبولين.

وعليه وفي اليوم التالي لاجتياح الحوثي صنعاء، اجتمع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل مع وزير خارجية إيران جواد ظريف في نيويورك -وهو أمر نادر الحدوث- لبحث مواجهة التنظيمات المتطرفة، ولم تغلق أي سفارة عربية ولا أجنبية واحدة أبوابها رغم وجود ميليشيات تجتاح العاصمة، وبدا أن الهدف الذي كان متفقاً عليه هو التخلص من الإخوان وحزبهم في اليمن، فدخل الحوثيون منازل الإخوان والتقطوا الصور فيها.

لكن الحوثيين لم يتراجعوا بعد انتهاء مهمتهم كما كان متفقاً عليه، وأكملوا غزوهم حتى وصلوا لباب المندب، ساعتها اكتشف النظام السعودي أن الحوثيين شيعة، وأنهم انقلابيون، وطالبوا في كوميديا سوداء بالتمسك بالشرعية في اليمن، رغم أنهم كانوا الممول الرئيسي للانقلاب على هذه الشرعية في مصر، وبعد الانقلاب الحوثي بسبعة أشهر كاملة قامت السعودية بعاصفة الحزم، وطلبت مساعدة نظام السيسي الذي أغدقت عليه الأموال، فرفض، فاكتشفت السعودية وقتها فقط أنه خائن.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل استقبل السيسي وفداً من الحوثيين، ووفداً من حزب الله (المتهم الرئيسي باقتحام السجون في 2011 وفق القضاء المصري ذاته)، ومسؤولين كباراً في النظام السوري العلوي، وأمدَّ الحوثيين بزوارق بحرية وأسلحة ليحاربوا بها المملكة، ومع ذلك تخشى الرياض من فك ارتباطها بالسيسي؛ لأنها وبكل صراحة تخشى من وجود نظام ديمقراطي في مصر، وخصوصاً إذا أتى هذا النظام بالإخوان المسلمين.

على النظام السعودي أن يعلم أن قبوله باجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء كان جريمة، ندفع ثمنها الآن، وأن دعمه للانقلاب في مصر جريمة أكبر.

وعليه أن يعلم أن عوائل آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين منذ ثلاث سنوات لا تدعو على السيسي فقط، بل على كل مَن دعمه وأيَّده، وعلى رأسهم حكومات الخليج.

فيا ليتهم يتعظون من انهيار سعر النفط ومن قانون جاستا ومن قصف مكة بالصواريخ، وأن يستعد المسلمون جميعاً لمواجهة إيران التي سيخرج منها الدجال، ومواجهة إسرائيل التي ستحارب المسلمين جميعاً في آخر الزمان، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، ولن تفرق بين مسلم مصري وآخر سعودي وآخر عراقي.

ساعتها ورغم كل المشكلات يمكننا أن ننتصر على أعداء هذه الأمة، وأن يرد كيدهم وعدوانهم على المسلمين في العراق وسوريا ومصر واليمن ومكة وباقي بلاد المسلمين.

"فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" (المائدة: 52).

——–
مصادر:

1- لقاء وزيرَي خارجية السعودية وإيران في نيويورك في اليوم التالي لاجتياح الحوثي لصنعاء لبحث مواجهة التنظيمات المتطرفة (الإخوان):

رابط للمصدر

2- الحوثيون يقتحمون منازل قيادات الإخوان في اليمن ويلتقطون صوراً فيها ويحرقون بعضها:

رابط للمصدر

3- الحرب مع اليهود من علامات الساعة:

عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" (صحيح مسلم – كتاب أشراط الساعة).

4- الدجال سيخرج من إيران:

روى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان ". صحيح الترمذي.
(تشمل مقاطعة خراسان الحالية في إيران وشمال غرب أفغانستان وأجزاء من جنوب تركمانستان).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد