في واحدٍ من تعليقات باراك أوباما على تصريحات المرشح للرئاسة دونالد ترامب، خاطبَ الرئيس الأمريكي كبار مسؤولي الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب بعبارة لطيفة ذات مغزى قائلاً: "لا بد من أن تصل إلى نقطة تدفعك إلى القول "إنه ليس شخصاً بإمكاني أن أدعمه ليصبح رئيساً للولايات المتحدة".
ومراراً طيلة الأشهر الماضية، كرر أوباما أن ترامب "غير مؤهل" و"غير جاهز مطلقاً" لكي يكون رئيساً لهذه البلاد التي تدير العالم.
أثناء إعدادي لكتابة هذه المقالة، عمدتُ إلى سحب جميع الأخبار التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية عن دونالد ترامب منذ ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأعدتُ قراءتها خبراً خبراً.
الانطباع التي خرجتُ به، هو نفسه الذي كوّنته وأنا أتلقى الأخبار عنه وأحررها يومياً من مختلف المصادر، دعنا نقل أننا أمام شخصية همشرية فظيعة، شخص تصاب بالغثيان لمجرد أن تتذكر أنه يمكن أن يصبح زعيم بلادك، إنه يشعرك كما لو أنك من الشرق الأوسط، تلك المنطقة الموبوءة بالطغاة والحكام الغير مؤهلين!
قد لا تصدق ما النعوت والصفات التي أطلقتها شخصيات نخبوية أمريكية ومسؤولين بارزين بحق ترامب، وزير الخارجية السابق كولن باول وصفه بأنه "عار قومي" وشخص "منبوذ دولياً"، المدير السابق لـ"سي آي إيه" مايكل جي. قال إنه "عميل روسي" وحذر من أنه يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي!، نائب الرئيس جو بايدن وصفه بأنه "لا يعرف شيئاً"، "بيل براتون" قائد شرطة نيويورك، المدينة الأمريكية الأكبر قال إنه "يثير في قلبي الرعب.. ترامب يرعبني".
الروائي الأميركي دوغلاس كيندي حذر من أن وصوله للرئاسة سيجعل منه "موسوليني" أمريكي في إشارة إلى زعيم الفاشية الإيطالي، الصحافيون الذين يتابعون الانتخابات الأمريكية أصيبو بالغثيان من كثرة ما تكرر على مسامعهم أن ترامب لا يصلح للرئاسة، أكثر من 100 من كبار نجوم هوليود وقعوا على عريض بعنوان "الاتحاد ضد الكراهية" لمنع وصول ترامب للرئاسة، نجوم آخرين أطلقوا فيديو أعلنوا فيه أن وصوله للحكم يمثل "كارثة" للبلاد.. إلخ
بدورها، الصحافة الأمريكية المرموقة خرجت عن تقاليدها لأول مرة منذ تأسيسها بعدم الوقوف على الحياد بشأن مرشحي الانتخابات، لتتوسل إلى الناخبين بعدم توريط البلاد برئيس مثل ترامب، بل إنها بعضها شجعت الناخبين على التصويت لهيلاري كلينتون لمحاولة لإنقاذ الموقف!
صحيفة "فورين بوليسي" قالت إنّ هناك "قائمة طويلة من الأسباب التي تجعل من ترامب تهديداً، لدرجة أنه من الصادم حقاً أن يكون هو مرشح حزب رئيسي لسباق الرئاسة"، وأضافت أن من محاسن انتخاب كلينتون هو "إحباط تهديد كبير يواجه الولايات المتحدة وهو الاحتمال الشاذ والمقلق للغاية بأن يتولى ترامب الرئاسة"، فيما وصفته الـ"واشنطن بوست" بالمريع!
ودعت صحيفة "يو إس إيه توداي" قراءها إلى "عدم الانجرار وراء ديماغوجي خطير"!. إلى هذا الحد؟ نعم، الأمور مشتعلة يا صاح!
أثناء دردشة حول ذات الموضوع، قالت إحدى زميلاتي إن ترامب لو ترشح للانتخابات الرئاسية في أي من بلادنا العربية، فإنّ شعبويته ستكسبه أصوات الناس!
يشبه ترامب حكامنا العرب كثيراً، بل حتى إنّ جمهوره ومناصريه يشبهون المنحبكجية في بلادنا، فبرأي الخبير السياسي في جامعة فرجينيا "لاري ساباتو" إن مؤيدي ترامب رغم كل ما سمعوه عن ترامب من بث الكراهية وعنصريته وتحرشه بالنساء وبذاءته وعدم أهليته، إلا أنهم ببساطة "لا يكترثون"، أليس هؤلاء من نفس طينة مؤيدي بشار الأسد؟
يبالغ بعض العرب بالحديث عن انعكاسات إيجابية أو سلبية لفوز هذا المرشح أو ذلك تجاه منطقتنا، يقولون إذا فازت كلينتون فإنها أفضل من ترامب، على اعتبار أن أوباما كان مثلاً أفضل من بوش، وكأن ثمة فرق بين أن تشن حرباً أو تطيل أمد حرب يشنها الآخرون!
وما فعلته إدارة أوباما في سوريا مثلاً، هي أنها كانت تعلن أن أمريكا ليست شرطياً العالم، وأن منطقتنا الموبوءة بالاستبداد ليس على رأس أولوياتها، لكن باراك – الأستاذ الجامعي والسياسي المخضرم – كان يكذب على طول الخط، لأنه وضع رجال مخابراته منذ عسكرة الثورة على الحدود مع بلادنا يمنعون دخول مضادات الطيران وأي سلاح يمكنه نجدتنا من القصف المتواصل طوال خمس سنوات، وهي الإدارة اللطيفة التي لم تسمح بإقامة منطقة آمنة نلوذ بها من الجحيم المستعر بلا هواده والذي يبث على الهواء المباشرة. أيها العربيّ: لا تتوقع سوءاً من الهمشري ترامب أكثر من الأكاديمي أوباما، ثق بي!
عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي، علق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الموقف بكلمة هامة، قال إنّ تركيا تعرضت لـ"صدمة حضارية"، ويمكنك إن كنتَ تعيش في تركيا، أن تشعر كم أن هذا التوصيف دقيق، لدرجة أن تلجأ السلطات التركية إلى كتابة أسماء ضحايا الانقلاب على الطائرات!
وبقناعتي التي كونتها من متابعة ردود فعل نخبة من الأمريكيين حول ما يمثله المرشح الجمهوري، فإنّ فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة سيحمل تماماً ذات التوصيف، إنه "صدمة حضارية" ستصيب تلك البلاد التي لا أحبها، إنه انقلاب جاءت به صناديق الاقتراع!
لا يبدو أن مشكلة الأمريكيين مع ترامب تتمثل فقط بموقفه العنصري المشين تجاه الأقلية المسلمة في بلاده، وتجاه اللاجئين الهاربين من الموت وانعدام الأمل، وتحرشه بالنساء ومراودتهن مقابل المال، وبذاءته، وسخريته من المعاقين، وكذبه "عينك كنت عينك" برفضه الإقرار بتصريحات قالها أمام ملايين الناس، واعتباره التملص من دفع الضرائب "ذكاء" وفلهوية كما ردد على الملأ أمام مناصريه، بل أيضاً لأمر مهم آخر!
ترامب -والوصف للرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون وعديد من السياسيين الأمريكان- "يقوّض الديمقراطية الأمريكية"!
دعنا نكررها: ترامب يقوّض الديمقراطية الأمريكية، وهو يرفض نتائج الانتخابات ما لم تكن لصالحه! ما أجمل هذا!
الفضائح الجنسية للرؤساء الأمريكان هي شيء شائع، منذ عهد الرئيس رئيس توماس جيفرسون عند فضيحته بإنجاب طفل من "أَمَة" في العام 1804، مروراً بغروفر كليفلاند وورن هاردينغ وجون كينيدي وغاري هارت، وليس انتهاء ببيل كلينتون، وكذلك شن الحروب والغزو المغلف بالديمقراطية.
لكن الجديد الترامبي هو تهديد أهم مفاخر الأمريكان: الديمقراطية! إنه رجل لا يؤمن بكل هذا الكلام الفارغ، ويحب الطغاة أمثال بوتين ويتودد لهم ويرحب بتدخل في سير العملية الانتخابية، ويطلب من مناصريه اصطحاب أسلحتهم معهم إلى صناديق الاقتراع!
إنه زعيم شرق أوسطي حقاً، أليس أمراً رائعاً، ومثيراً للفضول، أن يجرّب الأمريكان أخيراً، معنى أن يحكمهم طاغية عربي؟
إنّ ترامب فيما يبدو، الوصفة المثلى لكي يسرّع هذا العالم من انحداره وبلوغه قاع الحضيض، قبل صحوته المنشودة إلى الإنسانية، لأنه وكما في أمثالنا الشعبية: "إذا ما خربت ما بتعمر"!
إنني ولكل الأسباب أعلاه، وبشكل خاص للسبب الذي ذكره أوباما مطلع هذه التدوينة، ولأنني توصلت إلى تلك "النقطة" الحاسمة، فإني أتمنى ترامب رئيساً للولايات المتحدة، علّ هذا العالم يتواضع قليلاً!
الهمشري: بالمحكية السورية، الشخص الشوارعجي، الذي لا يقيم وزناً للأعراف والقيم والبروتوكول.
هذه المادة مأخوذة عن مدونات الجزيرة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.