"1"
"يا ساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور.. يا حاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين.. سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه.. عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال.. هو بيلبس آخر موضة.. واحنا بنسكن عشرة ف أوضة.. بالطول بالعرض هنجيب ممدوح الأرض.. لا إله إلا الله السادات عدو الله".
تلك كانت الهتافات التي كانت قد زلزلت أرجاء مصر في يومي 18 و19 من يناير/كانون الثاني عام 1977.
أعلن عبد المنعم القسيوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية في مجلس الشعب، قرارات الحكومة التقشفية الجديدة التي تهدف لسد عجز الموازنة، تلك القرارات التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الخبز والسكر والشاي، وزيادة الجمارك على البضائع المستوردة.
انطلقت المسيرات والاحتجاجات تجوب شوارع محافظات مصر، واشتعلت انتفاضة شعبية انضم لها الطلاب والعمال والموظفون، حَرقت أقسام شرطة، دَمرت الممتلكات العامة والخاصة، اعتقلت الشرطة الآلاف، وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل العشرات وإصابات المئات.
أحس السادات بخطورة الموقف، واستشعر التهديد المحيط بنظامه، فقرر إلغاء قرارات التقشف، وإعلان حالة الطوارئ، وأمر بنزول الجيش إلى الميادين لحماية الممتلكات، وتم إعلان حظر التجوال.
في ظرف ثلاثة أيام، وبالتحديد في يوم 21 يناير/كانون الثاني، رُفع حظر التجوال وعاد الجيش لثكناته، انتهت تلك الانتفاضة، انتفاضة الخبز، كما سمّاها المنتفضون، أو انتفاضة الحرامية، كما رآها السادات.
تعد تلك الانتفاضة أكبر التحركات الشعبية في تاريخ حكم المؤسسة العسكرية لمصر منذ 1952، لم يضاهِها في الحجم إلا "25 يناير"، ولكنها انتهت بمجرد إعلان التراجع عن قرارات التقشف وعودة الأسعار.
كانت الأحوال الاقتصادية قبل تلك القرارات غاية في السوء، لم تتحقق وعود الرخاء أو التنمية التي وعد بها السادات، وجاءت تلك القرارات لتزيد الأمور سوءاً، ولكن المتظاهرين والمنتفضين كانوا على علم بأن الرجوع عن تلك القرارات لن يحسن الأمور، لكنها ستعود إلى ما كانت عليه، وإن كان سيئاً هو الآخر، ولكن المتظاهرين اختاروا الشيطان الذي يعرفونه، ولم يجازفوا بما هو مجهول.
"2"
"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية"
كان ذلك الهتاف القريب البعيد هو هتاف انتفاضة الخامس والعشرين من يناير، واسمحوا لي أن أستخدم مصطلح انتفاضة، فأنا لا أراها ثورة.
في الثمانية عشر يوماً ما قبل تنحي مبارك، لم أتساءل: لماذا جاء الخبز (العيش) كما نسميه في مصر مقدماً على الحرية والكرامة والعدالة؟ أعتقد أن استخدام الخبز جاء من أجل اللعب على مشاعر الفقراء واستقطابهم بما ينقصهم، وما هم أشد احتياجاً له من غيره، لكن الواقع في مصر الآن طرح ذلك التساؤل: ماذا كان سيحدث إذا تم توفير الخبز؟ هل كان سيكتب لتلك الانتفاضة أن تستمر من أجل الحرية والعدالة والكرامة؟ أم كانت ستنتهي كما انتهت انتفاضة الخبز؟
"3"
"ثورة الغلابة"
ولمن لا يعرف معنى الغلبان، فهي كلمة بالعامية المصرية تعني بسيط الحال المسكين، أما عن تلك الثورة الجديدة فهي دعوة للتظاهر في كل أنحاء مصر في يوم 11/11/ 2016 من أجل الغلابة، تسعى المعارضة المفككة إلى استمالة الطبقات الفقيرة لمساعدتها في قلب نظام الحكم.
فالمعارضة غير المتحدة التي لا تملك رؤية أو تخيلاً عاماً للوضع القائم منذ 3 سنوات، تسعى الآن لثورة جديدة، ولنتخيل أن تلك الثورة قد نجحت فما هو التصور والرؤية المُعدة عند تلك المعارضة لما بعد سقوط النظام؟!
وماذا سيحدث إذا أعلن السيسي قرارات سريعة تهدف إلى الحد من الأسعار، أو استطاع الوصول إلى حلول في أزمة الأسعار القائمة، هل يعتقد عاقل واحد أن "الغلبان" الذي من أجله أقمت ثورتك سوف يقف معك ويحميك من بطش النظام الحاكم؟.. لا أعتقد.
"4"
سيدي الثائر.. إن كنت تعتقد أن من يثورون من أجل بطونهم هم جنودك في معركتك الثورية، فاضمن لك فشل معركتك فشلاً ذريعاً، فالبطون تشبع، لكن العقول لا تسأم الفكر.
لتَسقُط ثورة قامت من أجل جائع، ولم تقُم من أجل قتيل ومعتقل، لتَسقُط ثورة جاءت لتملأ البطن ولم تقُم لتكسر النير.
أنا لا أدعو إلى التكيف والتعايش مع النظام، ولكن معركة بلا استراتيجية وثورة بلا مبادئ، هي معركة صفرية محكومة بالفشل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.