ثوروا.. تصحُّوا

يؤسفني أن أخبرك بأن رفاهية الحلول السياسية لم تعد متاحة مع هذا الانهيار المزري في الاقتصاد والصحة والتعليم والثقافة والفن والرياضة والحريات والأخلاق ولم يعد من الحلول حلاً سوى الثورة، ولم يعد أمام الجميع سوى الاستماع لهذا الصوت الآتي من بعيد، والذي بُحَّ من كثرة الصياح "ثوروا.. تصحُّوا".

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/03 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/03 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش

ألم يأنِ لهذا الواقع الأليم الذي نحياه أن يخشع لصوت أحلامنا التي تتساقط من عليائها على يد رصاصات الغدر والخسة بعد أن كانت بتحليقها في السماء تملأ الدنيا أملاً في غد مشرق لبلاد أصيبت بالعمى، إثر سقوطها في غياهب الظلمات لسنوات طويلة؟!

ألم يأنِ لهذا الواقع أن ينقشع بعد أن ظل يعبث ويعبث في حياتنا اليومية بلا هوادة مغتصباً خيالاتنا البريئة الحالمة؟!

فاليوم ما هو إلا صورة كربونية من الأمس، أما المستقبل فقد بات مرهوناً بيد حفنة من الأوغاد يسعون جاهدين لخلقه مسخاً مستنسخاً من يومنا وأمسنا.

فهل صرنا رهن سداد فاتورة خطيئة ما ارتكبناها بأن ولدنا تحت وطأة هذا الحكم العسكري الغبي؟! أم أننا نسدد فاتورة رفض التعايش مع هذا العفن، أو لنكن أكثر دقة وتفصيلاً وقولاً بأننا قبلنا طواعية أن نسدد فاتورة رفض الدياثة لنظام بربري عسكري يستبيح الأعراض والدماء والأموال، نظام بات يستبيح كل شيء بلا خجل ولا يتوانى عن فعل أي شيء حتى يتسنى له أن يظل جاثماً على صدور السكان الأصليين للبلاد الذين قد قاربوا على الانقراض، فنسبة لا بأس بها ممن يحيا على أرض هذه البلاد ارتضى أن يعمل قواداً، وإن اختلفت بضاعته، فهذا يقدم النساء على سرائر من حرير إلى الجنرال، وذاك يقدم الكلمة عارية على موائد الجنرال؛ كي يتوضأ بدماء عذريتها.. ولكن هل يظن هؤلاء السكارى أنها ستطهر يديه من دماء الآلاف من الثوار التي أراقها هو وجنده؟! هل يظن هؤلاء الحمقى أن تلك الكلمات التي يضاجعها الجنرال قادرة على أن تنسيه صور المذابح التي ارتكبها وأصوات الأمهات الثكالى التي تطارده صباح مساء؟!

صباح.. مساء، والنظام العسكري يطلق أبواقه عبر المنصات الإعلامية كما يطلق كلابه البوليسية على المتظاهرين ضد حكمه البائس، ولكن هل يهاب تلك الأبواق من لم يهب الرصاصات والكلاب البوليسية؟! هل تغير هذه الأبواق من عقيدته الثورية؟! بالقطع لا وهم يعلمون ذلك جيداً فهذه الأبواق ما وجهت إلى الثوار في وقت من الأوقات، إنما هي لتحييد السواد الأعظم من قاطني هذا الوطن ألا وهم الأغلبية الصامتة.

تلك الفئة التي تكتفي بالمشاهدة دون تعقيب، فئة قادرة على التغيير إن امتلكت الإرادة وقررت ترك المدرجات والمشاركة كلاعب أساسي في ملعب المباراة التي لم تنطلق صافرة نهايتها بعد؛ لذا فهم يحاولون محاصرتهم بتلك الأبواق قدر الإمكان، فإذا ما طالعوا الجريدة أو فتحوا المذياع أو قادهم الحظ العثِر للجلوس أمام التلفاز يفاجأون بأن جميع تلك الأبواق في صوت نشازي واحد ينطقون كلاماً واحداً بنبرة واحدة وأداء تمثيلي واحد، تماماً كأداء الجنرال..

وهنا أدعوهم لعدم التعجب إن وجدوا تلك الأبواق وقد قامت بتسمية المفاهيم بغير معانيها كتسمية العمالة بالوطنية والمتاجرة بالدين بالوسطية والقوادة بالقيادة… لا تتعجبوا إن نجحوا في مثل هذه الظروف العسِرة أن يغيروا المعاني في المعاجم واللغة.. لا تتعجبوا إن حاولوا في مثل هذه السنوات الخادعات أن يغيروا المعاني في الأحاديث النبوية والكتب المنزلة.. لا تتعجبوا فهم لسان حال جنرال لا يجيد غير لغة الكذب.

لذا لا تتعجبوا ولا تصيبكم مصيبة إن طلب منكم أن تجوعوا عن الفول حتى يأكل هو الكافيار… أو إن طلب منكم أن تتنقلوا على أرجلكم لا من خلال المواصلات حتى يفرغ الشارع لموكبه المهيب.. أو إذا طلب منكم أن تجهضوا زوجاتكم حتى تكون الأجيال القادمة كاملة من بطون جواريه.

لا تتعجبوا مما قد ترون منه أو تسمعون.. فنظارته السوداء كما تحجب عن عينيه أشعة الشمس تحجب عنه أيضاً رؤيتكم وأنتم الغالبية العظمى فوق أرض هذه البلاد، فهو لا يرى سوى حاشيته وأتباعه وعبيده من المغيبين الذين يقدمون نساءهم للرقص على أنغام النشيد الوطني للبلاد حتى ينالوا رضاه، ولكن قبل أن تطالبوه بخلع نظارته السوداء كي يراكم.

فلتخلعوا عنكم أنتم أيضاً النظارات السوداء التي ارتديتموها طواعية فحجبت عنكم رؤية الحقيقة الواضحة الجلية، حقيقة ثورة أبيّة بهية ولدت من رحم القهر الذي تجرعتموه عقوداً طويلة ولم تقاوموه، حقيقة الثوار الأنقياء الذين ضحوا بأرواحهم وحرياتهم في سبيل حرية الوطن المأسور، فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن في المعتقلات وما بدلوا تبديلاً، حقيقة جنرالات تتناوب عليكم كتناوب الذئاب البشرية على فريستها المستسلمة الخانعة التي رضيت بالاستمتاع بهذا الاغتصاب الوحشي بدلاً من مقاومته.

عزيزي يا مَن تحددت إقامتك بمحض إرادتك فوق الكنبة.. لقد استعمرت مصر لفترات طويلة من هكسوس ورومان وفرس وإنكليز وفرنسيين وجميعهم قد رحلوا ولم تفنَ مصر إلى أن وصلنا اليوم إلى الاحتلال العسكري الذي قضى على الأخضر واليابس، ولا تزال أنت أسير محيط كنبتك.

سيدي المواطن.. ألم يأن الأوان لأن تترك الكنبة وتنزل إلى ساحة الثورة كي تستعيد حريتك وكرامتك وحقوقك المسلوبة؟ ألم يأن الأوان لأن تصبح فاعلاً في جملة الأحداث العصيبة التي تمر بها البلاد تاركاً محل المفعول به الذي جعلك فيه المستعمر رهنه دائماً؟ ألم يأن الأوان بعد أن تساند الكلمة في ثورتها كي تستعيد الجملة صياغتها الصحيحة فيصير محلك من الإعراب فاعلاً ومحل المستعمر مفعولاً به دائماً؟!

يؤسفني أن أخبرك بأن رفاهية الحلول السياسية لم تعد متاحة مع هذا الانهيار المزري في الاقتصاد والصحة والتعليم والثقافة والفن والرياضة والحريات والأخلاق ولم يعد من الحلول حلاً سوى الثورة، ولم يعد أمام الجميع سوى الاستماع لهذا الصوت الآتي من بعيد، والذي بُحَّ من كثرة الصياح "ثوروا.. تصحُّوا".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد