في مشهد ضبابي لا ملامح فيه، تدخل سيدة فارعة الطول بابتسامة الواثق المنتصر علي شفتيها إلى أحد أكبر وأشهر مراكز الحكم في العالم، لتصبح ثاني سيدة في تاريخ بريطانيا تتقلد هذا المنصب بعد المرأة الحديدية مارغريت تاتشر.
رغم أن بريطانيا تفضل دائماً التريث في كل شيء وصاحبة المثل الإنجليزي الشهير "دع كلاً يسير بهدوء"، ولكن هذه المرة وجدت نفسها في خضم زلزال سياسي عنيف منذ ذلك اليوم المشهود يوم 23 يونيو الذي قرر فيه الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث حدث الآتي: استفتاء.. خروج من أوروبا.. استقالة رئيس الحكومة.. سباق على زعامة الحزب الحاكم.. خروج الساسة الكبار من المشهد السياسي وانتهاء السباق الانتخابي قبل موعده.. تكليف تريزا ماي رئيساً للحكومة الجديدة.
لم تكن صاحبة الـ59 عاماً هي الأوفر حظاً مثل بوريس جونسون ولا الأصغر سناً مثل ديفيد كاميرون، ولا الأكثر ألمعية مثل جورج أزبورن.. فهي مولودة وحيدة في أسرة قروية صغيرة بمقاطعة بريكشاير، توفي والدها وهي في سن الخامسة والعشرين من عمرها، وبعده بستة أشهر لحقت به أمها المريضة ليتركا تريزا وحيدة إلا من كنف زوجها فيليب ماي. درست تريزا الجغرافيا في جامعة أكسفورد أحد أشهر الجامعات في العالم.
عرف عنها جميع أقرانها الطموح والثقة بالنفس، وكانت دوما تعد نفسها لمستقبل سياسي، حيث عملت بجد في صفوف حزب المحافظين وكانت اختياراً ناجحاً بالنسبة لكاميرون في واحد من أهم المناصب السياسية، ألا وهو منصب وزيرة الداخلية، وقد قامت بإصلاحات كثيرة تتطلب الجرأة السياسية دون تردد، وبعد توليها منصبها الجديد كرئيسة للوزراء قامت بتغييرات حادة وغير متوقعة في الساعات الأولى لتوليها المنصب، حيث أبهرت الجميع بقوتها فحسمت أمورها بكل سرعة. على الرغم من توقع الجميع أنها ستطيح بـ أندريه ليدسوم، بعد أن كانت غريمتها ووجهت إليها إهانة جارحة بالقصور؛ لأنها لم تنجب أطفالاً لم تطح بها وأسندت إليها وزارة الزراعة.
هي امرأة خدعت بمظهر المستكينة قليلة الكلام وتركت الإعلام يثرثر عن أحذيتها التي اختارتها بعناية ومشيتها المنحنية قليلاً كي تداري طولها المبالغ فيه، وعن غرامها بالطهو، وعن زواجها المليونير، وثروته الهائلة، وذهبت لمكتبها الجديد لتقضي ساعات طويلة في ترتيب أمور حكمها الجديد.
رغم تولي امرأة أعلى منصب سياسي في بريطانيا، إلا أن هذا يعد شيئاً غير معتاد عليه في أوروبا عموماً وبريطانيا خصوصاً، غير أن ظروف تولي تريزا ماي جاءت في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، رغم الحريات الغربية الكبيرة في شأن المرأة وتوليها المناصب القيادية في تولي المرأة ليس بالقدر الكافي في أوروبا، فتوجد "أنغيلا ميركل"، التي تقود ألمانيا، واختيرت أقوى امرأة في العالم
كما تتجه الأنظار إلى انتخابات الرئاسة الأميركية، والمتوقع أن تحقق "هيلاري كلينتون"، فوزاً كبيراً لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة في سابقة وطفرة نسائية نراها لأول مرة في التاريخ الحديث، فهل يتم أيضاً اختيار امرأة للمرة الأولى أميناً عاماً للأمم المتحدة، المنصب الأرفع سياسياً في العالم؟ هذا ما سنعرفه في الأيام القادمة..
أما الوضع في الوطن العربي تحسن كثيراً عما مضي فمصر مثلاً أصبح مجلس النواب المصري يوجد به 15% منه سيدات بعد أن كان يوجد في مجلس النواب السابق 2% فقط من جملة النواب من السيدات وأيضاً يحتوي مجلس الوزراء المصري، على أربعة سيدات ولكن هذا ليس كافياً، فمتى سنرى المرأة العربية تتقلد أعلى منصب ببلادها؟ الله أعلم!..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.