قد توحدت الوسيلة، وقد تكون الطريقة ذاتها، ولكن كل الطرق تؤدي إلى اللاعودة.. تطابقت الأهداف، ولكن الأغراض اختلفت.
الهروب.. كلمة لم تكن في معجم أي منا، ولكنها أصبحت حياة نعيشها، نهرب من أجل هدف طبيعي مجرد العيش، العيش كريماً، شريفاً، قوياً، حراً، نرى العجب، وكل العجب، فرغم تلك الاختلافات التي جمعت بين الغني والفقير، المتعلم والجاهل، الحر والعبد، إنها يا سادة شيزوفرينيا المجتمع.. تجارب وروايات ومشاهد، نراها ونسمعها وسيسطرها التاريخ؟!
ساعات من الخوف، ولقد تصل إلى أيام من التيه، سعياً وراء الوصول إلى بر الأمان، وعلى المستوى الشخصي أحمد الله على أن رزقني خروجاً كريماً طيباً، ولكني أزعم أن الكثيرين، بل والمعظم، كُتب عليهم أن يخرجوا منها خائفين مترقبين.. لم يعِ الشعب الدرس إلا بعد مشاهد كغرق مركب رشيد.. لماذا يهربون؟ لِمَ يهاجرون؟ لماذا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة؟!
فعلى الرغم من ذلك فإنه يومياً هناك من لا يسعهم سوى أن يحملوا على ظهورهم متطلباتهم الأساسية فقط، دون أي ترتيب أو تجهيز، أو حتى توديعهم لأسنادهم في الحياة.. إنها بداية رحلة اللاعودة!
الأحداث نفسها، هواتف تُجمع ومن ثم يتم غلقها.. من محافظة إلى محافظة، ومن منزل إلى منزل، ومن خلاء إلى خلاء، ليس لهم بعد ستر المولى، إلا الليل وسكونه، الحظ هو المعيار الأساسي للنجاح، قد ينتهي بك الطريق ميتاً، أو يتم القبض عليك، وسلسلة من الجرائم المرتبة الملفقة.
الصدف وحدها تجمع من تشاء ببعضهم، تجد دكتوراً جامعياً وفلاحاً مثلاً، ولقد تجد رجل أعمال وعاملاً بسيطاً، ولكن ما يوحدهم هو ثباتهم وقوتهم ضد الظلم وبطشه، تلاوة القرآن والقيام والدعاء والاستغفار سلاحهم الوحيد، عسى أن يغض الله تعالى أبصار هؤلاء الظلمة عنهم.
كم من الأعزاء فقدناهم بتلك الطريقة، كل ما سعوا إليه هو الهروب من الواقع المرير الذي تمر به الدولة المصرية، من ظلم وبطش وديكتاتورية، ولا عزاء لهم، والمانشيت "القبض على إرهابيين"، أوليس هذا الديكتاتور الانقلابي هو من رقص له الفقير قبل الغني، حامي البلاد وناصر الفقراء، فلِمَ الهرب الآن؟!
فقد أجمع من تبقى حياً على مركب رشيد على أن ظروف الدولة وأحوالها والفقر هي سببهم الأساسي للهروب، على الرغم من تعامل الدولة الساذج ضدهم من حيث تعمد وإهمال إنقاذهم، والقبض على البعض منهم، مع عدم مراعاة رؤيتهم للموت بأعينهم أو حتى الحداد على ضحايا الظلم والجهل والسرقة والديكتاتورية.
إلا أن الفرق بين هؤلاء وهؤلاء كالفرق بين السماء والأرض، فلا فرق بين مَن ضحى وبذل لتغيير واقع الدولة والإصرار على كسر الانقلاب الغاشم، وبين من تمتع وتشفى في القبض والقتل والسحل، بل ولربما شارك بالمساعدة الجسدية.
فلا فرق بين مَن هرب دون المحاولة أو العمل على التغيير وبين مَن بذل ما في وسعه حتى أصبحت كل الأبواب مغلقة في وجهه.
خلاصة القول.. إننا بالفعل أصبحنا شعباً وهم شعباً على الرغم من أن الجرح واحد.. ولكن لا عزاء فهناك باكٍ وآخر ضاحك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.