عام 2030.. عراق بلا مسيحيين

المسيحيون في العراق حوصروا بين سندان الميليشيات المرتبطة بإيران وبين تنظيم الدولة الذي مارس هو الآخر الكثير من الانتهاكات التي رفضتها الهيئات الشرعية الإسلامية، ففي بغداد والموصل وعدد من المحافظات صودرت منازل المسيحيين بعد أن تركها أصحابها على أثر تلقيهم لتهديدات بالقتل، فيما التزمت حكومة بغداد بالصمت

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/03 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/03 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

على مدى التاريخ، كانت الحلقات الأضعف في المجتمعات هي الأكثر تضرراً في مناطق النزاعات والصراعات، فضلاً عن بلدان تقودها حكومات غير منضبطة أو ملتزمة ببنود واتفاقيات حقوق الإنسان، ويكفي أن نطلع على نتائج دراسة لإحصائية صدرت عام 2015 عن مركز بيو الأميركي للأبحاث "Pew Research Center"؛ لنتصور حجم المأساة في العالم، حيث تناولت الدراسة وضع الحرية الدينية في أكثر من 198 دولة تضم أكثر من 99,50 في المائة من سكان العالم، لنكتشف أن نحو 110 دولة تمارس العنف والاضطهاد ضد الأقليات لديها.

العراق مثالاً لفضوى عارمة، دفع ثمنها ما بات يسمى اليوم بالأقليات بعد عام 2003 والتي كانت تعد قبل ذلك مكونات أساسية ومهمة تعكس طبيعة التوازن والتجانس المجتمعي دون تسلط مجموعة على أخرى.

المسيحيون في العراق من المكونات التي يوصف وضعها بالمأساوي، إذ إنها اليوم على وشك الانقراض والزوال من أي وجود لهم في البلاد رغم كونهم من سكانه الأصليين، فمن مليون و650 ألف مسيحي كانوا في العراق عام 2003، انخفض العدد إلى قرابة نصف مليون حالياً، وتشير أرقام الكنيسة الكلدانية إلى أن نحو ستين كنيسة من بين 300 في العراق استهدفت منذ عام 2003، فيما أدت هذه الهجمات إلى مقتل أكثر من 900 مسيحي عراقي وإصابة نحو ستة آلاف بجروح، ويقول بطريرك الكنيسة الكلدانية "لويس ساكو" إن 57 كنيسة فقط هي المتبقية، وما زالت معرضة لخطر الاستهداف.

بدورها تقول وزيرة الهجرة والمهجرين السابقة باسكال وردا، إن الكثير من الشباب المسيحيين يريدون الهجرة، وعندما أسألهم لماذا؟ يقولون: "وفري لنا العمل لنعيش والأمان لنبقى"، فيما تصمت باسكال هنا وتعجز عن الإجابة.

أما رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان "ويليام وردا" من جهته، فقد أكد أن السنوات العشر الأخيرة كانت الأسوأ على مسيحيي العراق؛ لأنها شهدت أكبر حالة نزوح وهجرة لهم في تاريخ العراق، لافتاً إلى أن ثلثيهم قد تركوا العراق، فيما نزح نحو 325 ألف مسيحي من منازلهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد خلال الفترة ذاتها.

أليساندرو مونتيدورو، مدير مؤسسة "عون الكنيسة المتألمة" البابوية، وهي جمعية كاثوليكية إيطالية، قال بأن لا مستقبل للجماعة المسيحية في كردستان العراق، جاء ذلك خلال زيارة له لمخيمات النازحين من مدينة الموصل ومنطقة سهل نينوى، فيما أعرب عن ألمه وقلقه من تدهور الأمور نحو الأسوأ وتفاقمها عن آخر زيارة له للمخيم نفسه قبل أقل من ستة أشهر، وتابع مونتيدورو، أن عدد المسيحيين قد انخفض أكثر؛ لأن معظمهم بات يفضل مغادرة العراق.

وفي البصرة جنوب العراق، يؤكد "عماد عزيز"، وهو أحد مسؤولي الكنيسة الكلدانية، أنه لم يبقَ في البصرة سوى 450 عائلة مسيحية بعد أن كان عددها 1150 عام 2003.

يتميز المسيحيون العراقيون كغيرهم من مسيحيي المشرق العربي بأنهم مسالمون وغير عدوانيين بطبعهم، فضلاً عن أمانتهم وإخلاصهم وارتباطهم بالوطن، وللحديث صلة، حيث نستذكر هنا ما قام به رئيس الوزراء السوري فارس الخوري يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق، فما كان من خوري إلا أن قصد الجامع الأموي واعتلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أعلن وأقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".

ولطالما أعربت القوى المسيحية العربية عن رفضها المتاجرة بقضيتها لتسويق أجندات دولية وإقليمية، فهي لم تنتهز فرصة ما قاله بوش "الابن" عام 2003 بأن الرب قد زاره وأمرة بغزو العراق، ليمنح حملته غطاء كنسياً صليبياً، ورغم ما أصاب المكون المسيحي من ضرر فقد أعلنت الكنيسة الكلدانية عن عدم تبنيها لأي فصيل مسيحي مسلح سواء أكان تحت مظلة الدولة أو منضوياً ضمن ميليشيا الحشد، كما حدث مع كتائب بابليون بزعامة ريان الكلداني الذي تبين بحسب مراقبين، أنه حاول إضفاء صفة الوطنية على الحشد وإبعاد تهمة العقائدية الطائفية لهذا التشكيل الذي ارتكب أفظع أشكال الانتهاكات بحق المدنيين، بحسب تقارير لمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش.

المسيحيون في العراق حوصروا بين سندان الميليشيات المرتبطة بإيران وبين تنظيم الدولة الذي مارس هو الآخر الكثير من الانتهاكات التي رفضتها الهيئات الشرعية الإسلامية، ففي بغداد والموصل وعدد من المحافظات صودرت منازل المسيحيين بعد أن تركها أصحابها على أثر تلقيهم لتهديدات بالقتل، فيما التزمت حكومة بغداد بالصمت دون اتخاذ أي إجراء حازم لإيقاف هذه الممارسات، ما يوحي بأن الأمر يتم وفق تنسيق عالي المستوى يهدف لإجراء تغيير ديموغرافي يضمن خلو العراق من المسيحيين، وبالتالي تخفيف الضغط والحرج السياسي على الحكومة، وإيصال رسالة للرأي العام الدولي مفادها أن ما يجري في العراق هو صراع مذهبي وقومي وليس دينياً بين المسلمين والمسيحيين.

العدد المتبقي في العراق من المسيحيين اليوم لا يتجاوز الـ400 ألف شخص، جلهم كبار سن أعمارهم لا تؤهلهم لينشئوا عائلات، فضلاً عن طلبة مدارس في صفوف منتهية هم في انتظار انتهاء دراستهم ليلتحقوا بأقرانهم في أميركا وفرنسا وألمانيا، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يختفي أي وجود مسيحي في العراق وبنسبة مئوية صحيحة غير قابلة للكسر خلال العقدين القادمين من الزمن.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد