صدق الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو كاذب، حين قال في حوار مطول مع مجلة "ذا أتلانتيك" في مارس/آذار على السعودية وإيران أن تتعلما مبدأ المشاركة في الشرق الأوسط، وأن الصراع في الشرق الأوسط بين السعودية وإيران؟!
صدق بتوصيف الصراع، وكذب في سرده لخلفيات الصراع، ذلك أن رئيس أكبر دولة عظمى التي "كانت" شرطي العالم، تخلى عن التزامات هذه الدولة بالحفاظ على التوازنات الدولية، حين فتح الباب للغول الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. وخرجت علينا وحوش إيران الطائفية بهدف انهارت المنظومة الأمنية العربية والإقليمية.. لتسبح إيران في بحر الفوضى، وهي ذاتها فكرة تصدير "الثورة" التي تحدث عنها الخميني لكن بإخراج جديد.
أمام أميركا الهشة وإيران المتسللة إلى المنطقة وعلى مرأى أوباما، لم يكن أمام السعودية إلى مواجهة عملية التمدد الإيراني التي وصلت إلى اليمن.. فكان المنعطف الاستراتيجي السعودي على المستوى الإقليمي وتغيير قواعد اللعبة في عاصفة الحزم.
بداية عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، كان المنعطف الأول في السياسة السعودية بعد الربيع العربي، وكانت الساحة اليمن، حين قررت المملكة إنقاذ الشرعية وقطع الأذرع الإيرانية في المنطقة، وسبق هذه العملية صفعة خليجية مشتركة لإيران في العام 2012 في البحرين، حين قررت دول الخليج كبح جماح نزوات إيران بإرسال درع الجزيرة حفاظاً على أمن هذه الدولة من مخططات إيران، وكانت الصفعة مؤلمة بحجم الصراخ الإيراني والتحريضي على الحكم في البحرين.
خسرت إيران أول ساحة مواجهة في البحرين، لكن الغول الإيراني لم يتوقف وزحف بمرتزقته السياسية والعسكرية إلى اليمن.. وهنا كانت الصدمة الأقوى لنظام خامنئي بإعلان "عاصفة الحزم" وتغيير قواعد المواجهة مع إيران.
حققت عاصفة الحزم ومن بعدها إعادة الأمل أهدافها على المستوى الجيوسياسي، لصالح اليمن ومستقبل المنطقة العربية، ذلك أنها نابعة من الحفاظ على مبدأ الشرعية السياسية والدستورية للنظم العربية، فضلاً عن دورها في تحطيم مبدأ الدولة الميليشيا، ولو أن الانقلابيين نجحوا في مشروع اختطاف الدولة، لكانت السعودية على حدود دولة مارقة تحكمها الفردية ونزوة السلطة والفوضى وتُدار من قُم، الأمر الذي يشكل سابقة خطيرة في المحيط الخليجي العربي.. وبإعلان عاصفة الحزم سجلت السعودية خسارة أكبر لطموحات إيران في الاقتراب من الجزيرة العربية.
تكمن أهمية عاصفة الحزم في الحفاظ على الطبيعة الجيوسياسية للمنطقة واليمن، فبعد حركة التغيير السياسي والأمني في المنطقة العربية عقب الربيع العربي، حاولت إيران ركوب هذه الموجة بشكل متناقض وفق المصلحة الاستراتيجية الإيرانية التي تقتضي التفتيت لمنظومة الأمن العربي.
ومن تناقضات إيران واعتمادها على منطق الفوضى، أنها تقف مع بشار الأسد بذريعة أنه الشرعية، بينما تقوض من خلال تسليح الحوثيين الشرعية في اليمن من أجل الفوضى، لأن دولة مثل إيران تحسن التموضع في بلدان الفوضى كما حدث في سوريا واستحكمت على الأسد ورجاله من خلال إغراق سوريا بالميليشيات وفرخت ميليشيات حزب الله وغيرها من الميليشيات العراقية والأفغانية على الأرض السورية.. ومن هنا أيضا تتأتى أهمية عاصفة الحزم -مهما كانت التكاليف- فحين يتعلق الأمر بالأمن القومي والوطني لا يمكن الارتهان لحساب الربح والخسارة، ومع ذلك كانت خسارة إيران كبيرة ولا تزال في حالة من الاستنزاف.
المشروع الإيراني كان يهدف إلى بناء قوات بديلة عن الجيوش النظامية، أساسها النهج "الميليشياوي" والولاء الطائفي، تمكنهم إيران من حيازة مناطق استراتيجية على الخريطة السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، بحيث تشكل تلك "الأذرع" قوساً ممتداً من سوريا إلى العراق حتى شط العرب والخليج العربي، يقابله التمدد الحوثي في اليمن، وهو ما يعني الطعن في الخاصرة الخليجية والسعودية على وجه التحديد.
اليمن والبحرين كانتا أبرز محطات الحيوية السياسية السعودية لكنهما ليستا الوحيدتين في مشروع تثبيت "هيبة" السعودية الأمنية التي يحترمها العرب ويترقبون حركتها تجاه كل ما يجري في المنطقة.
الحركة السياسية السعودية في عهد الملك سلمان، قررت أن تقود من المقدمة، وأن تكون متقدمة في ذروة التراجع الأميركي، ففي أبريل/نيسان من العام الماضي 2015 قررت السعودية تعيين ثامر السبهان سفيراً لها في العراق بعد 24 عاماً من القطيعة الدبلوماسية، وجاءت هذه الخطوة في إطار تقويم المسار السياسي مع الدول المجاورة، وشكل هذا القرار صدمة قوية للنظام الإيراني الذي ينفرد بالساحة العراقية العربية ويتحكم بمفاصل هذه الدولة المترنحة أمنياً. وقد قابلت إيران هذه الخطوة بمزيد من التصعيد ضد السفير شخصياً، وصلت إلى حد الاغتيال التي كشفها السفير ذاته، وبدا هذا المؤشر على أن نظام الملالي في حالة من الاختناق السياسي والدبلوماسي بسبب التكتيك السعودي الذكي وهندسة المواجهة في الاتجاهات كافة.
وفي سوريا، فقد اتخذت السعودية موقفها النهائي من الصراع، وهي تعلن جهاراً نهاراً ألا وجود ولا مستقبل للأسد في سوريا في أية مرحلة انتقالية يقررها الشعب السوري، وهذا الموقف بمعنى آخر أن السعودية لن تقبل بوصاية إيرانية على سوريا كما حدث في العراق من خلال النسخة الثانية للتجربة العراقية.. التي مثلها نوري المالكي صاحب السجل الأسود؛ لتسجل السعودية حالة من إعادة التوازن مع الانفراد الإيراني في العراق، بعد أن نجح السبهان في الانسجام مع الوسط السياسي السني.
بين كل هذه التموضعات الحيوية الإقليمية، تشكل حالة التوازن السعودية بين الغرب والشرق رؤية حكيمة تحكمها دوافع الاستقلالية السياسية للسعودية، فأصبح الغرب والشرق من المنظور السعودي حليفين استراتيجيين يكمل بعضهما الآخر..
واتجهت البوصلة إلى الولايات المتحدة الأميركية بزيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقائه بالريس الأميركي باراك أوباما وكوكبة من المسؤولين الأميركيين، وامتدت هذه الزيارة إلى قلب أوروبا.. "باريس"، ولم يمض أكثر من شهرين على هذه الزيارات حتى حطت رحال محمد بن سلمان في باكستان واليابان والصين مترئساً وفد المملكة العربية السعودية في قمة العشرين.
واليوم يكمل ولي العهد الأمير محمد بن نايف المشوار بزيارة استراتيجية إلى العاصمة التركية أنقرة، يثبت من خلالها الحضور السعودي في أركان الشرق الأوسط.. تحركات وتكتيكات تثبت أن في الحركة السعودية تخسر إيران.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.