في مسلَّمات إعادة بناء الحركة الكردية السورية

ما نحن بصدده اليوم بخصوص مشروع الإنقاذ والتجديد وإعادة البناء يختلف عن جميع المراحل السابقة بمهامه وآلياته ووسائله ومناخه السياسي الوطني وعوامله القومية الكردية، وأهدافه القريبة والبعيدة، ويتخذ على ضوء ذلك أهمية استراتيجية كبرى لا تقل عن تحولات أغسطس قبل نحو نصف قرن من الزمان

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/27 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/27 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

منذ ظهور الحركة الوطنية الكردية السورية بأشكالها التنظيمية وتعبيراتها السياسية وكياناتها الحزبية وتياراتها وألوانها، كانت تحمل في أحشائها بذور التطوير والتجديد بصور وتجليات شتى، واذا كنا نعتقد، وفي حالتنا الخاصة، أنه ليس كل ظاهرة خلافية وصراعات جانبية هنا وهناك في غضون عقود ثمانية من عمر الحركة كانت تنشد التجديد.

إلا أنه لا يمكن تجاهل محطات رئيسية بارزة على هذا الطريق مثل الانقسام "العمودي والأفقي" الأول في جسم الحركة عام 1965، بشأن جملة قضايا خلافية حول تعريف الوجود والحقوق والدور والموقع حيال المحيطين الوطني والقومي، والذي أفرز التيار القومي الديمقراطي اليساري، الذي ما زال يشكل الرافعة الأساسية كنهج وثقافة وخطاب سياسي، على الرغم مما لحق به من تمزق وتشرذم تنظيمي.

لقد تزامن صعود التيار القومي الديمقراطي في وجه النزعة اليمينية الانتهازية كردياً مع بدايات اختراق النظام لصفوف الحركة، الذي وجد في جماعة اليمين مدخلاً مناسباً للتمدد والتأثير؛ لذلك لم تكن مهام القيادة المرحلية المنبثقة عن كونفرانس الخامس من أغسطس/آب أحادية الجانب، بل ثنائية في معركته السياسية ضد التوجه اليميني الكردي والاختراق الأمني معاً، أما ظاهرة الانقسامات التي تلت تلك المرحلة فجاءت في خضم واقع مؤسف كانت الكلمة الأولى فيه لمراكز الأجهزة الأمنية، وخصوصا المسؤولة منها عن الملف الكردي، إلى درجة أنه كان لكل جهاز من الأجهزة الخمسة الرئيسية نصيب من الكتل والجماعات المستحدثة.

ما نحن بصدده اليوم بخصوص مشروع الإنقاذ والتجديد وإعادة البناء يختلف عن جميع المراحل السابقة بمهامه وآلياته ووسائله ومناخه السياسي الوطني وعوامله القومية الكردية، وأهدافه القريبة والبعيدة، ويتخذ على ضوء ذلك أهمية استراتيجية كبرى لا تقل عن تحولات أغسطس قبل نحو نصف قرن من الزمان؛ لذلك من الضرورة بمكان العمل الجاد ومنذ الخطوة الأولى من أجل توفير أسباب النجاح، وكما أرى عبر أخذ المسلّمات التالية بعين الاعتبار:

الأولى: أن مهمة إعادة البناء تخص مصير ومستقبل الشعب الكردي في سوريا، وهي فوق الطبقات والفئات والأهواء والأحزاب والجماعات والأيديولوجيات، وتدور حول إعادة التوازن إلى وجوده المهدد بالزوال وموقع حركته الوطنية المفقود وطنياً وقومياً، ودورها في رسم المستقبل وتحديد المصير.

الثانية: توافر القناعة التامة بمحاذير وأضرار ما هو قائم الآن على صعيد الأحزاب من سطوة مغامرات سلطة الأمر الواقع العائدة إلى تفرعات "ب ك ك"، وانكفاء الأحزاب التقليدية وفشلها حتى بالحفاظ على وجودها التنظيمي والسياسي وبخطورة السياسات الحزبية المتبعة وتأثيراتها القاتلة على الوجود والحقوق، وفي هذا المجال ليس المطلوب القضاء على ما هو سائد، بل تغييره وتطويره سلمياً عبر الحوار، وإزاحة ما هو ضار بالبحث عن الأفضل والأسلم، من خلال الكتلة التاريخية من المستقلين، والحراك الشبابي، ومنظمات المجتمع المدني.

الثالثة: اعتبار المبادرة الراهنة في برنامج إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية محاولة في العودة إلى تعزيز المشروع الوطني الكردي التاريخي وإصلاحه، وتقييمه فكرياً وسياسياً وثقافياً وتنقيته من الأدران العالقة، وإعادة تعريف الحركة ومهامها وأهدافها وشعاراتها على ضوء المستجدات الوطنية والكردستانية، والتأكيد مجدداً على الاستحقاق الكردي في تقرير مصيره السياسي والإداري، في إطار سوريا الديمقراطية الجديدة الموحدة.

الرابعة: التأكيد على المصير الوطني الواحد على قاعدة العيش المشترك مع الشريك العربي والمكونات الأخرى، في أجواء الحرية والسلم الأهلي والمساواة في الحقوق والواجبات، وعدم الانجرار للدعوات المشبوهة الصادرة من الأطراف الخارجية المؤججة للصراعات، ذات الطابع العنصري، واتخاذ الحذر الشديد من محاولات استخدام الكرد كأداة في ضرب وحدة البلاد، أو رأس حربة لتنفيذ مخططات الآخرين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصير بلادنا الآن بأيدي الآخرين، ومصيرنا كمصير شركائنا بالوطن في حال فرض أية مخططات جديدة بالقوة وبمعزل عن إرادة شعوبنا كما حصل قبل قرن من الزمان.

الخامسة: في مسالة العلاقات القومية، اعتبار إنجازات شعب إقليم كردستان العراق مكاسب قومية ناتجة عن التوافق الكردي العربي، يجب الحفاظ عليها وتطويرها، والتمسك بالعلاقات الأخوية مع رئاسة الإقليم التي تشكل مركزاً قومياً مرموقاً مجرباً معنياً بشكل إيجابي بالملف الكردي السوري، والوقوف إلى جانب نضال الكرد في كل من كردستان تركيا وإيران من أجل حق تقرير المصير، وفي الحالة الراهنة يعتقد أن الشكل الأمثل للعلاقات القومية هو التنسيق والتعاون واحترام خصوصيات الآخر، والتشديد في الحفاظ على الشخصية الوطنية الكردية السورية المستقلة، ورفض أي إلحاق قسري أو أي تجيير لقضية كرد سوريا لمصالح أحزاب وجهات في صراعاتها الخاصة، كما تقوم بها الآن قيادة "قنديل" لحزب العمال الكردستاني التركي.

السادسة: المشروع الراهن ليس عملاً انقسامياً كما كان الحال في صراعات الأحزاب، بل هو عمل فكري ثقافي سياسي متمم ومكمل للمسيرة التاريخية المتجددة في الحركة الكردية، وهو جهد عقلاني غير مغامر، وطويل النفس غير متسرع نابع من مصالح الشعب الكردي، ومعبر عن الغالبية الساحقة، ليس اختراعاً لفرد أو مجموعة محددة، والكل مشارك فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، وبما يتعلق الأمر بي فلست إلا أحد حاملي المشروع، وأقولها بكل وضوح إن مساهمتي مؤقتة بحكم وضعي الخاص لن تتعدى الخطوات الأولى الأساسية، وبعد وضع المشروع في الأيدي الأمينة من بنات وأبناء شعبنا ومناضلينا وناشطينا وما أكثرهم.

الاقتناع بتلك المسلمات والإجماع حولها يشكلان الخطوة الأولى تجاه تحقيق إعادة البناء.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد