متى سينقرض عهد الكتابة التمجيدية؟

والأكل بالعز لا يستطيعه أي أحد فطالما أحزنني أن أقرأ لكاتب له اسمه بين المثقفين لأجده بعد ذلك يمجد ظالما أو يبرر لمجرم، وحتى لا يفقد القلم بوصلته فهذه دعوة للبعد عن تقديس الأسماء، فكم من صنم لكاتب أضحى آلهة عند كثير من القراء!

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/15 الساعة 04:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/15 الساعة 04:52 بتوقيت غرينتش

ولادة فكر حر أشبه بولادة كوكب في السماء، إذ يحتفل بذلك عقلاء أهل الأرض، راجين نفعه للبؤساء الذين يعانون قسوة العيش.

والكاتب كفاعل يتلهف للوصول إلى جعل الذين يحيطون به قوة ناعمة تقضي على ذلك التقديس الذي كان الناس يرزحون تحت أغلاله، أعني هنا الكاتب الحر؛ إذ لا يعتبر كاتباً بالمعنى البعيد للكلمة ذلك الذي رضي لنفسه قفصاً يسمى بالعمود، وألزم نفسه خطاً واحداً ليكسب لقمة عيشه، فما أتعسها من لقمة تدخل جوفك نتيجة كلمة كنت أنت تملكها فأصبحت تملكك!

حري بأمثال هؤلاء قول ابن عطاء الله السكندري: ما قُدر لماضغيك أن يمضغا لا بد أن يمضغا ويحيك كله بعز ولا تأكله بذل".

والأكل بالعز لا يستطيعه أي أحد فطالما أحزنني أن أقرأ لكاتب له اسمه بين المثقفين لأجده بعد ذلك يمجد ظالما أو يبرر لمجرم، وحتى لا يفقد القلم بوصلته فهذه دعوة للبعد عن تقديس الأسماء، فكم من صنم لكاتب أضحى آلهة عند كثير من القراء!

تقول الكاتبة جويسي أوتس: كونك كاتباً هو نوع من فعل الوعي الفائق بالذات، أنا أكتب لا أريد أن اتصور نفسي كاتبة، أنا لا أميل إلى اعتبار نفسي كاتبة، ففي ذلك تعظيم مفرط للذات.

هو التعظيم المفرط إذن الذي أصاب كثيراً من الكتاب والمثقفين العرب، ما جعلهم يتأففون ممن هم دونهم وينأون بأنفسهم عنهم، وهذا يذكرني بتلك النملة التي ظهر لها جناحان، فظنت نفسها قادرة على الطيران، فأخذت تحاوله، فإذا هو سبب هلاكها، قد لا يهلك الكاتب ذاك مادياً، لكنه معنوياً سيكون من بين الموتى.

في حوار لي مع صديق قال لي: التواضع في الحياة شيء جميل، لكنه لا يصلح للكاتب؛ لأن هذا الخلق لا ينفع إلا في تعاملك اليومي مع الناس، لكن مع القلم والورقة فلا، شخصياً لا أعلم من أين أتى صديقي بهذه النظرية، لكنني أتفق معه على أن الكاتب ومن يمتهن صنعة الأدب عليه أن يمتلك ثقة بالنفس قوية، على ألا يصل إلى الغرور.

وما يعاني منه مجتمعنا العربي بالتحديد هو عداوته للقراءة، حتى أولئك الذين يعملون في المجال الإعلامي، فأكثرهم إذا أراد كتابة مادة، سواء للتلفزيون أو أي وسيلة إعلامية أخرى، تراه يجلس ساعة من الزمن ليلتقط المعلومات من هنا وهناك، ثم يربط بينها بأدوات الربط، ويعطيك مادة لا تحمل علامة فارقة لصاحبها، ثم بعد ذلك يظن نفسه صاحب قلم سيال وخيال مبدع.

إن الذي يجعلك تنفض غبار التقديس عن الأفكار من حولك، وعن كل ما يكتب في الصحف والمجلات، هو أن تكون القراءة منهج حياة، وخصوصاً لمن أراد أن يكون كاتباً ليُبعد عن نفسه صفة التقليد، وليكتسب خبرة تجعله قادراً على تمييز الغث من السمين، مما يطرحه الكتاب الآخرون.

ولا بد أن تكون القراءة ُ قراءة َ نقد بناء، لا قراءة تسليم لكل ما ورد في المادة؛ لأنك لا بد أن تحذر من أن تصبح نسخة عن هذا الكاتب أو ذاك، على أن هذه المرحلة قد تكون هي المرحلة الطفولية لكل من يحبو على درب الكتابة، فتراه يقلد بداية ً على أن يشق طريقه الخاص في النهاية، ويجعل لنفسه علامة مسجلة بين الكتاب والمثقفين.

وأخيراً فإن الإنسانية هي المقياس الذي ينبغي أن يقاس عليه نجاح أي كاتب، فليبتعد عن جماعته وعشيرته، وليكن الانتماء إلى الإنسانية هو العشيرة والقبيلة في هذه الزمن، الذي أتخمنا فيه الكتاب بالسياسة، ما جعل كتاباتهم أشبه بالمواقف السياسية بين الدول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد