السبب” ليس بالضرورة هو السبب الوحيد”

فهم لا يريدون أي حركة استقلال شعبية أو واسعة الصيت في أي مكان، ما لم تكن هذه الحركة الشعبية ضد نظام يتحدى السلطة الغربية في حد ذاته (مثل ليبيا، وسوريا، ويوغوسلافيا، وأوكرانيا، وفنزويلا، والأرجنتين، والقائمة تطول جداً).

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/14 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/14 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش

لا ينعكس الأمر بشكل جيد على نضجنا الفكري عندما ننسب أي عدوان غربي إلى دوافع معادية للإسلام، فنحن كمن يتحدث عن قراصنة يهاجمون كل سفينة غصباً، وعندما يهاجمون سفينتنا نقول إنهم يهاجمونها لأننا مسلمون، لا لأنهم قراصنة!

وهذا لا يعني أنه لا يوجد عنصر في هذا العداء له علاقة مباشرة بكراهيتهم للإسلام، فبالطبع هناك، ولا أحد يقرأ القرآن يستطيع أن ينكر ذلك، ولا يعرف هذا الأمر أفضل من شخص كان غير مسلم، فالعداء تجاه الإسلام عميق ويفوق بكثير العداء تجاه أي دين آخر، والحقيقة هي أنهم معادون عموماً لأي دين من أي لون (ويمكن القول بداهة إن الأصوليين المسيحيين يتم تصويرهم بشكل سلبي في وسائل الإعلام تقريباً مثل المسلمين)، ولكن هذه الكراهية للإسلام ليست بالضرورة السبب الوحيد للعدوان في كل حالة، حتى وإن كانت ظاهرة موجودة طوال الوقت في عقولهم.

العراق في عهد صدام حسين بالكاد كانت دولة إسلامية، فهل يعتقد أي منكم حقاً أن الدافع وراء الغزو الأميركي للعراق هو منع إقامة الشريعة؟ بالطبع لا.

هل تم استبعاد القذافي من حلف شمال الأطلسي لأنه كان إسلامياً؟ بالطبع لا.

كما كتبت، هم يتسامحون مع الإسلام طالما أنه لا يؤثر سلباً على مصالحهم المادية، وطالما أنه لا يخلق تحد لسلطتهم، في كثير من النواحي هذا يماثل معارضتهم للحركات الشيوعية في جميع أنحاء العالم في القرن العشرين: في فيتنام، وفي إندونيسيا، وفي الفلبين، وفي كوبا وأميركا اللاتينية، وهلم جرا، هذه الحركات تمثل تهديداً لمصالحهم المادية، وتحد للقوة الغربية، وهم لا يمكن أن يتحملوا كُلفة الاستقلال، وفور أن تبدأ الحركات الإسلامية في غرس روح التحدي في المسلمين، تضيء لمبة الخطر لديهم.

ولكن، بصراحة، على الرغم من أن الأغلبية المسلمة حول العالم تعبر عن رغبتها في إقامة الشريعة الإسلامية ونظام إسلامي مستقل، فإن الأحزاب الإسلامية ما زال عليها أن تقوم بتعبئة الشعوب بنجاح في اتجاه التحقيق الواقعي لهذه التطلعات، وبعبارة أخرى، نحن لم ننشئ حقاً حركة إسلامية تشكل تهديداً كبيراً للمصالح الغربية، بل ولسنا حتى قادرين على التعبير لشعوبنا عن معنى "الإسلام السياسي" من حيث السياسة الفعلية.

وهذا يعني أنه منطقياً لا يمكن أن يكون الدافع الديني هو المحرك الرئيسي للعدوان الغربي في بلداننا، حتى لو كان موجوداً في تفكيرهم، وحتى لو كان يلعب دوراً هاماً في المبررات العامة من أجل عدوانهم (محاربة التطرف الإسلامي… إلخ)، لا، فأسباب عدوانيتهم تجاهنا هي نفسها أسباب عدوانيتهم تجاه الجميع: لسرقة مواردنا، لاستغلال عمالتنا، للهيمنة علينا ولتأمين مصالحهم، فمن الواضح أنهم لا يريدون أن يروا أي بشاير للتحدي لها جذور دينية تتطور، ولا يوجد أن نظاماً اعتقادياً لديه هذه الإمكانية أكثر من الإسلام، بالتالي هم لا يريدون لأحد أن يكون لديه بديل للاستعباد، ولهذا فهم طبعاً يعملون على إفسادنا، وعلى التخفيف من ديننا، وعلى تلقيننا دينهم للمادية؛ لأنه حتى لو كان زعماؤنا الإسلاميون غير أكفاء، فهم يعرفون أن الإسلام في نهاية المطاف هو النظام الاعتقادي الذي يحمل "وصفة" زوال سلطانهم، ونحن لم نفهم بعد مدى حقيقة هذا الأمر.

وكمثال بسيط لما أتحدث عنه، دعونا ننظر إلى الفرق بين طريقة تعامل الصين مع المسلمين في البلد نفسه والمسلمين في شينجيانغ، ففي بكين، لا يوجد قمع ملحوظ، أما في شينجيانغ فيتم منع المسلمين من الصيام حتى في شهر رمضان، لماذا هذا الفرق؟ لأن في شينجيانغ، الإسلام والهوية الإسلامية أصبحا متشابكين مع حركة الاستقلال، وحركة الاستقلال هذه تهدد المصالح المادية ببكين.

وينطبق هذا المبدأ على حالة بعد حالة.
فهم لا يريدون أي حركة استقلال شعبية أو واسعة الصيت في أي مكان، ما لم تكن هذه الحركة الشعبية ضد نظام يتحدى السلطة الغربية في حد ذاته (مثل ليبيا، وسوريا، ويوغوسلافيا، وأوكرانيا، وفنزويلا، والأرجنتين، والقائمة تطول جداً).

هل هم يكرهوننا؟ وهل كراهيتهم للإسلام عامل في عدوانهم؟ هذه أسئلة ليست في حاجة لإجابات لأي شخص لديه معرفة حتى بدائية بالإسلام، والإجابة الواضحة على هذه الأسئلة ليست مفيدة صراحةً، فإذا كنا بحاجة إلى تأكيد مستمر بأن حياتنا في هذا العالم عبارة عن صراع بين الإيمان والكفر، فهذا سيعني أننا فشلنا في التطور فيما دون المستوى التمهيدي لفهم الدين، أو فهم الحياة في هذه الدنيا بداهةً.

لقد اقترح رسول الله صلى الله عليه وسلم تقديم حصة من محاصيل المدينة المنورة إلى بعض القبائل المشاركة في حصار المدينة؛ لأن هذه الطريقة كانت فعالة، فهل يعني ذلك أن هذه القبائل ستتوقف فجأة عن كراهية الإسلام؟ بالطبع لا سيظلون يكرهونه، ولكن المصالح المادية من شأنها أن تتقدم كأولوية على هذه الكراهية، فهل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدرك حقيقة معركة العقيدة، أستغفر الله؟
أما حقيقة أن هناك معركة مستمرة بين الإيمان والكفر، وهذه حقيقة لا يجادلها أحد والكل يعرفها، فهذا لا يعني تلقائياً أنها هي وحدها السبب أو حتى الدافع الرئيسي للعدوان الغربي في كل الحالات، وكما قلت من قبل، هم لم يهاجموا ماليزيا، لماذا؟ فإذا كان الدافع الوحيد والحصري لهم هو القضاء على الإسلام، فلم يهاجموننا في مكان دون آخر؟ المصالح المادية هي السبب… وهو نفس السبب الذي يجعلهم يهاجمون أو يمتنعون عن مهاجمة أي مكان آخر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد