حجاج سوريا جاؤوا من مشارب مختلفة.. كل له قصته ومعاناته وربما معتقداته المتفردة. كل هؤلاء جاؤوا ابتغاء مرضاة الله وضارعين من أجل سلام اشتدت حاجتهم إليه بعد طول معاناة.
وعلى متن طائرة متجهة إلى مدينة جدة السعودية اجتمع حجاج سوريون فصلت بينهم الحدود والجبهات ليجلسوا من جديد جنباً إلى جنب محرمين ملبين وتاركين وراءهم كل يومياتهم الحافلة بأسباب القتل والتفرقة والخلاف.
وبصوت غلب عليه الحياء روت صفاء (40 عاماً) من حي الصالحية في العاصمة السورية دمشق كيف تمكنت أخيراً من التوجه للحج مع عائلتها بعد محاولات تكررت عاماً بعد عام من دون فائدة بعد انقطاع وسائل التواصل بين السلطات السعودية والسورية.
وقالت صفاء "سجلنا أسماءنا مع لجنة الحجاج العليا في لبنان ووافقوا على ذهابنا أنا وأمي وأبي وأخي وزوجته وأختي بعد استيفائنا الشروط لأنهم طلبوا أن يكون المتقدمون من مواليد 1961 وما دون. والحمد لله ربنا يسر لنا الذهاب."
واندلعت الحرب الأهلية السورية قبل أكثر من خمسة أعوام وقتل فيها أكثر من 250 ألف شخص.
وأعلنت السعودية منذ بداية الصراع السوري معارضتها لبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة وطالبت بالإطاحة به كشرط أساسي لدعم أي حل سياسي للأزمة السورية.
لا تنسيق مع السلطات السورية
ومع احتدام النزاع والتوتر بين البلدين توقفت سلطات الحج تدريجياً عن التنسيق مع السلطات السورية بخصوص أفواج الحجاج بدءاً من عام 2012 لتنيط بهذا الدور إلى سلطات الائتلاف الوطني السوري المعارض وممثليه في البلدان المستضيفة للاجئين السوريين.
وتقدمت صفاء وعائلتها بطلبات الحج إلى هيئة العلماء المسلمين التي تولت قبول طلبات الحجاج القادمين من مناطق سيطرة النظام.
وقالت صفاء "إنشاء الله الفرج قريب وإنشاء الله نقدر ندعي لكل إخواننا في سوريا. هم أمنونا ندعي لهم وإن شاء الله ندعي في المسجد الحرام وتكون حجة العمر."
وعلى الرغم من الثقة التي تكلمت بها صفاء لم تستطع الحاجة مريم (60 عاماً)- وهي من بلدة تلفيتا القريبة من صيدنايا- أن تخفي ريبتها وخوفها من الإعلام ملحة في إخفاء باقي اسمها حتى أن القلق خيم للحظات على وجهها
وقالت مريم "دشرنا (تركنا وراءنا) الحرب والقهر وجينا إلى الحج. مشتفة (تائقة) إلى الرسول ورب الكعبة. الله يفرجها على سوريا."
وبينما كانت مريم تتكلم كانت ابنة عمها خضرا التي تقاربها في العمر تنتقل من مقعد إلى آخر قرب الشباك لتتمكن من النظر بعينين بريئتين واسعتين تحيط بهما تجاعيد قليلة لترى الغيوم والبحر والصحراء.
وبين آن وآخر كان شيخ من المكلفين من قبل لجنة الحج العليا في الائتلاف السوري يعرف الحجاج على مناسك الحج والخطوات التي يتعين عليهم اتباعها ويجيب على تساؤلاتهم لا فرق بين مؤيد للنظام أو معارض له.
بين الائتلاف والنظام
وقال تمام الخطيب المسؤول المكلف من لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف الوطني بالإشراف على الحجاج الآتين من بيروت إن وزارة الحج السعودية أتاحت للائتلاف هذا العام جلب تسعة آلاف حاج جرى توزيعهم بين الأردن وتركيا ولبنان ومصر.
وأضاف "جاء من لبنان تقريباً ألفا حاج ومن تركيا تقريباً ثلاثة آلاف ومن الأردن ألفان تقريباً ومن مصر كذلك فضلاً عن 800 إداري أو مجموعات إدارية. أي المجموع تقريباً كله عشرة آلاف."
وهذه السنة الرابعة التي يتولى فيها الائتلاف السوري الإشراف على الحجاج. ففي عام 2011 أدار النظام السوري الأمور وفي عام 2012 لم يتم اختيار أي جهة بينما في عام 2013 كانت الأمور بيد الائتلاف.
وأكد أن الأمور ميسرة من كل شيء من قبل اللجنة فضلاً عن تحسينات كثيرة في تنظيم الحج السوري "إذ باتت الخدمات اليوم تقدم خمسة نجوم بسعر الأعوام الماضية.. عسى الله ييسر الأمور."
وأنهى الخطيب حديثه لرويترز وتوجه إلى الركاب ليلقنهم نية الحج والعمرة عند الميقات المحدد لهم ليرددوها وراءه بصوت واحد قبل أن يبدأ الجميع التلبية.
شكوى النظام السوري
في سوريا اعتبرت السلطات أن مسألة الحج تناستها السلطات السعودية في الوقت الذي لم يكن يفترض بها ذلك.
وقال الشيخ أحمد الجزائري مستشار وزارة الأوقاف السورية "يتم اختيار ألف حاج لكل مليون في كل دولة" معتبراً أن السعودية اليوم "لا تتعامل مع الحكومة الشرعية إنما مع أشخاص غير معترف بهم وبالتالي مسؤولية حماية الناس تقع على عاتق الحكومة السعودية."
وأضاف "بالنسبة لنا لم نمنع أحداً من أن يذهب بس إذا راح الشخص لحاله هل حقوقه محفوظة وكرامته؟ وإذا حصلت أي تجاوزات لمن يلتجئ الحجي السوري؟ هم غير مرتبطين بالدولة المسؤولة عن حماية الحج السوري."
وأضاف "نحن ننصح الحجاج ألا يذهبوا لكن الناس تذهب بشكل غير نظامي وبالتالي هم مسؤولون عن أنفسهم."
وبين الخلافات السياسية وتبادل الاتهامات يأمل الحجاج السوريون على اختلاف مشاربهم في إتمام شعائرهم مترفعين عن السياسة والخلافات.