فشل الانقلاب وفك حصار حلب.. مبشرات لواقع جديد

وستكون خطوة التغيير الاستراتيجي في المنطقة هي الوصول إلى حالة "التكامل" في التحالفات الإقليمية، بحيث تتلاقى المصالح وتُكمِّل بعضها البعض دون أن تتعارض عند التنافس الإقليمي، الذي قد يحدث في حال أَمِنَّا الخطر الخارجي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/30 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/30 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش

ما إن انتشرت أنباء الانقلاب العسكري في تركيا حتى شُدت أنظار العالم بأسره تجاه ذلك الحدث، وكانت المنطقة -أنظمة وشعوباً- أكثر انشداداً لأحداث الانقلاب المتلاحقة والمتسارعة، بسبب موقع تركيا الاستراتيجي من الناحية الجغرافية والسياسية، وارتباط تركيا بعدة قضايا إقليمية ذات بُعد دولي.

إلا أن أنباء فشل الانقلاب كانت صادمةً بصورةٍ مضاعفة عن أنباء حدوثه، نظراً للخطة المحكمة التي أُعدت، وحجم القوة العسكرية المًستخدمة في الانقلاب، أضف إلى ذلك تاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا التي لم تفشل في الإطاحة بأنظمة الحكم.

وكانت تلك الصدمة تحمل واجهتين؛ الأولى لمعسكر مؤيدي الانقلاب وهم كُثر، والثانية للمعسكر المناوئ للانقلاب وهم أقلية، وفي معظمهم من الشعوب دون الأنظمة الحاكمة.

ثم اتجهت أنظار المحللين والمراقبين لما ستؤول إليه أوضاع تركيا بعد ذلك الحدث، واتفقت معظم التحليلات على أن تركيا بعد الانقلاب ستكون أكثر قوة، نتيجة للتحولات الداخلية التي تجري في هيكلية مؤسسات الدولة، وخصوصاً المؤسسة العسكرية، بما يمكن أن يؤشر إلى أن جمهورية جديدة تنشأ في تركيا، بالتالي ستكون أكثر تأثيراً في ملفات عدة، وستمضي في بعض الملفات الإقليمية بثقة أكبر، وربما من أهم تلك الملفات هو الملف السوري.

ومن الملاحَظْ أن التيار المؤيد للثورة السورية في تركيا هو الذي استفاد من فشل الانقلاب العسكري، فما يتم تداوله أن الجنرالات الذين سقطوا بسقوط الانقلاب، بسبب تورطهم في المحاولة الانقلابية الفاشلة، كانوا من المعارضين لتسليح الثورة السورية، وكانوا يتصدون لمحاولات جهاز المخابرات التركية إيصال الدعم لقوات المعارضة السورية المسلحة في حلب من خلال معبر باب السلامة وفي إدلب من خلال معبر باب الهوى، علماً بأن قوات المعارضة السورية المسلحة القريبة من سياسات النظام في تركيا تتمتع بنفوذ أكبر في حلب.

وبالفعل لم يمضِ وقت طويل على فشل الانقلاب حتى وجدنا تحولاً كبيراً في سير الأحداث على الأرض السورية لصالح الثوار، وخصوصاً بعد التوحد الكبير لبعض الفصائل العسكرية في وجه الأسد وحلفائه، ثم التقدم تجاه حلب وفك الحصار عنها.

وهذا لا يعني استطاعة تركيا تقديمَ دعمٍ لوجيستي للمعارضة، بصورة مكنتهم من إحراز ذلك تقدم؛ لأن تلك المعركة بالتأكيد تم الإعداد لها في وقت سبق محاولة الانقلاب، وقطعاً تم التخطيط الدقيق لها وفق الإمكانات المتوفرة لا ما يُتوقع الحصول عليه من الحلفاء، إلا أن فشل الانقلاب لا شك أعطى الأمل للسوريين بدور أكبر لتركيا في صراعهم، هذا الدور المبني على تأمين الحدود التركية الجنوبية وإفشال مخططات إقامة دويلة كردية، وهذا ما حصل بالفعل في مدينة جرابلس الحدودية التي تتبع إدارياً لمحافظة حلب، إذ تدخلت تركياً برياً، وبذلك ستتجنب تركيا مواجهة مستقبلية مع التنظيمات التي تصنفها بالإرهابية مثل "BYD" و"داعش".

وإن ذلك التحرك الاستثنائي لم يكن يتم لولا أن جيشاً جدياً تشكل في تركيا، سيعمل جاهداً لتحسين صورته أمام شعبه، وسيحاول إثباتَ ولائِه لقائدِه الجديد "أردوغان"، مما سيُشعر النظام بحرية أكبر في التصرف بما يراه يخدم مصالح تركيا القومية داخلياً وخارجياً، وبصورة أكثر دقة "تفلته من الأجندة الغربية، بالتالي عدم خضوعه للفيتو الأميركي".

وهذا ما سيمنح تركيا ميزة التحكم بحرية أكبر في مجريات الأمور حولها، بل سيضيف لها خاصية استراتيجية، بحيث تدفع كل اللاعبين على الساحة الإقليمية لأن يهتموا بأفكارها حول الترتيبات الإقليمية، وهي الأفكار التي تنسجم في معظمها مع بعض اللاعبين الإقليميين.

فعلى سبيل المثال، يرى الجانب السعودي أن التحرك التركي هو انتصارٌ جديد على إيران وحلفائها وأدواتها في سوريا، بالتالي إضعاف إحدى أهم أوراق اللعب الإقليمية في يد إيران، ثم الضغط عليها للقبول بالمبادرات السياسية للحل في سوريا وربما اليمن أيضاً، الأمر الذي سيدفع نحو ترسيخ التحالف السعودي – التركي.

إلا أن الأمور بالتأكيد لن تسير بهذا السيناريو السلس، بل ستكون دمويةً في مرحلة هي أشبه بمرحلة "عض الأصابع" والخاسر من يتألم أولاً، أما الرابح فهو من يحسن إدارة تحالفاته على الأرض، واستخدام أدوات قوته، لكنها بالتأكيد ستكون نقطة تحول كبيرة في الواقع الإقليمي الجديد، وستكون أبرز سماته:

1. عودة تركيا لبعدها العربي الإسلامي بقوة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وبروز الأيادي الغربية فيها، خصوصاً بعد أن ظن البعض أن تركيا فضلت توجيه بوصلتها نحو الغرب بعد تصالحها مع كيان الاحتلال.

2. إعادة التوازن للقوى في المنطقة بحيث يوازن التحالف السعودي – التركي ومن خلفهما قطر، الوجود الروسي الجديد من جهة والوجود الغربي القديم من جهة أخرى، وبذلك ستسير الأمور وفق أولويات ومصالح دول المنطقة وشعوبها لا كما يهوى الغرب.

3. إفشال مخططات التقسيم التي تستند على تحريك الأقليات العرقية والإثنية في المنطقة، لأن إعادة الاعتبار للدول المركزية ستعيد لتلك الأقليات ثقتها بمستقبلها في ظل نظام إقليمي جديد يحفظ لها حقوقها.

وستكون خطوة التغيير الاستراتيجي في المنطقة هي الوصول إلى حالة "التكامل" في التحالفات الإقليمية، بحيث تتلاقى المصالح وتُكمِّل بعضها البعض دون أن تتعارض عند التنافس الإقليمي، الذي قد يحدث في حال أَمِنَّا الخطر الخارجي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد