بين “عمران” و”آلان”.. سحر الصورة وألمها

تضاف صورة "عمران" الذي نجا إلى صورة قرينه الآخر والذي لم ينجُ، "آلان الكردي"، عندما لفظه البحر على شاطئ إيجة، فكانت صورته بما حملته من فاجعة وألم سبباً لفتح أبواب أوروبا، تلك التي كانت موصدة بوجه اللاجئين السوريين قبل غرقه؛ لتستقبل أوروبا بعدها مئات الآلاف منهم بعد أن فعلت ما فعلته صورته مسجّى تتقاذفه الأمواج في نفوس الأوروبيين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/29 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/29 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش

تدخل صورة الطفل "عمران" إلى ألبوم الصور الأكثر تأثيراً عبر التاريخ، بما حملته من مأساة إنسانية حركت جليد مشاعر البشر التي أصيبت بتخمة الصور وتكلّس الأحاسيس في طفرة التكنولوجيا والاتصالات وآلاف المشاهد الحية والثابتة والمتحركة من حروب وكوارث الشرق الأوسط.

لكن صورته هو وحده (عمران) يخرج حياً من أنقاض منزله المقصوف بطيران النظام أو حليفه الروسي ويبدو فيها جالساً على كرسي داخل سيارة الإسعاف يمسح دم وجهه المغبر الخالي من أي تعابير خوف أو صدمة تقتضيهما اللحظة، كانت قد جذبت انتباهاً خاصاً، ولم تكن لتمر دون أن تبث عبر وسائل الاتصال والإعلام الحديث آلاف المرات. ويعقد لها عشرات التغطيات الخاصة عبر القنوات الإخبارية العالمية، ناقشها كبار خبراء الإعلام والتحليل الاجتماعي والسياسي، وجعلت مذيعة أميركية تبكي أمام الكاميرا، وهي تعلق عليها، لتنجح هي (الصورة) لوحدها دوناً عن آلاف الصور الأخرى للمأساة السورية في أن تسجل ضربتها وتفعل سحرها في وجدان الرأي العالمي وتشده مرة أخرى لأهوال الحرب التي لطالما ظل ينظر لها دون مبالاة لسنوات طوال.

تضاف صورة "عمران" الذي نجا إلى صورة قرينه الآخر والذي لم ينجُ، "آلان الكردي"، عندما لفظه البحر على شاطئ إيجة، فكانت صورته بما حملته من فاجعة وألم سبباً لفتح أبواب أوروبا، تلك التي كانت موصدة بوجه اللاجئين السوريين قبل غرقه؛ لتستقبل أوروبا بعدها مئات الآلاف منهم بعد أن فعلت ما فعلته صورته مسجّى تتقاذفه الأمواج في نفوس الأوروبيين.

هنا قد لا تبدو صورة "عمران" أنها ستخلق توجهاً عالمياً جديداً يهدف لإنهاء القتل المجاني لمئات آلاف السوريين الذين رحلوا عبر السنوات الخمس الماضية، أو التفكير الجاد بخلق مناطق عازلة تحميهم من الموت وقصف الطائرات المنهمرة على رؤوسهم دون انقطاع، لكنها تبقى صورة خاصة تحمل في تفاصيلها المؤلمة سحراً وتأثيراً لن ينتهيا في مدى قصير، وتلتصق قريبة لجانب صورة أخرى من عظام الصور في التاريخ، للطفلة الفيتنامية "كيم فوج" عارية تبكي بعدما أصابتها نيران قنابل النابالم الأميركية التي ظهرت خلفها في الصورة، هنا أيضاً تتحدث الأنباء أن "كيم" الطفلة، كبرت وعاشت في كندا لاجئة بعد الحادثة، عندما شاء لها القدر أن تلتقي بقائد الطائرة الذي قصف قريتها وتسبب بتشوه جسدها، وجهاً لوجه، حيث قررت مصافحته والصفح عنه.

لم تصور حادثة اللقاء تلك وكان بالإمكان لو حصلت لتكون صورة أخرى ساحرة تضاف لصورتها الأولى التي اقترنت للأبد بتاريخ الحرب الفيتنامية التي هزت العالم حينها، ودفعت الشارع الأميركي لينفجر ويتحرك لإنهاء الحرب التي خلفت ملايين الضحايا من الأبرياء، والأبرياء الضحايا هنا لم يسقطوا جميعهم في الحروب، بل مات الملايين منهم جوعاً، في جنوب السودان تحديداً، حيث سُجلت مأساة أخرى من مسلسلات المجاعات والكوارث البشرية، لما خرجت صورة ساحرة أخرى بما حملته من فاجعة وألم عندما التقط "كيفن كارتر" المصور الصحفي الأميركي صورة طفلة تشارف على الموت جوعاً، بينما يتحفز على الجهة الأخرى من الصورة نسر ينتظر اللحظة المناسبة لينقض عليها، لم تنتهِ قصة الصورة عند هذا الحد، فخارج إطارها المفجع امتدت الفاجعة بانتحار صاحبها، بعدما نال أهم جائزة عالمية "بولتزر" عن أفضل صورة، وبعد أن جرّت عليه أي الصورة إدانات رفضت تبلّد مشاعره تجاه الطفلة التي اهتم بتصويرها دون الاهتمام بإنقاذها رغم إبعاده النسر عنها.

قد لا تكتمل آنياً قصة "عمران" مع صورته خارجاً من ركام الموت، فيما قد تتواصل لاحقاً من سنواته الآتية خارج إطار الصورة، إذا ما شاءت أقداره ليلتقي بذاك الطيار الذي دمر منزله فوق رأسه وقتل شقيقه، هنا قد ينطلق الخيال الإنساني في تخمين ردة فعله، أي "عمران"، عندما ينظر في عيون من أراد قتله، هل يصافح ويصفح كما فعلت "كيم"؟ أم أن سحر الصورة وألمها، كما هول الصدمة والفقد، لن يفارقا مخيلته؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد