تتوالى المعالم على جانب طريق الملك عبدالعزيز في نجران: فندق فخم، متاجر، نادٍ رياضي.. كلها توحي بأن هذه المدينة في جنوب السعودية هي في منأى عن حرب اليمن الواقع خلف الجبال الحدودية. إلا أن زيارة لمستشفى الملك خالد كفيلة بتغيير هذا الانطباع.
فمنذ بدء الرياض قيادة تحالف عربي في اليمن دعماً للرئيس عبد ربه منصور هادي، تبدل الوضع في المناطق الحدودية مع استهدافها بشكل دوري من قبل المتمردين الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بالصواريخ والقذائف والاشتباكات مع حرس الحدود.
في المستشفى، يشيح خالد العباس بوجهه منتحباً خارج الغرفة حيث يرقد ابنه مهدي (9 أعوام) مضمد الرأس والوجه، نتيجة إصابة منزله بصاروخ كاتيوشا أُطلق من اليمن صباح السبت.
نجا مهدي، إلا أن ابن عمه (ثلاثة أعوام) لم يحالفه الحظ.
استهداف المدنيين
وبحسب الدفاع المدني السعودي، قتل 31 مدنياً في نجران منذ بدء عمليات التحالف العربي في اليمن نهاية آذار/مارس 2015.
إلى هؤلاء، يضاف 19 جندياً على الأقل قضوا في منطقة نجران التي تحملت الكلفة الأكبر من هجمات المتمردين العابرة للحدود.
ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني العقيد علي الشهراني، إن المتمردين "يستهدفون المدنيين، أكثر من يعاني هم المدنيون"، في تصريحات لصحفيين أجانب زاروا نجران السبت في إطار جولة نظمتها وزارة الإعلام.
ويوضح بأن وتيرة استهداف المناطق السعودية ارتفعت بعد السادس من آب/أغسطس، تاريخ تعليق مشاورات السلام التي رعتها الأمم المتحدة بين طرفي النزاع اليمني في الكويت على مدى زهاء ثلاثة أشهر.
ويضيف "الآن الأمر متواصل لم نرَ أنهم استهدفوا مناطق عسكرية؛ لأنهم غير قادرين على القيام بذلك".
والجمعة، أصاب صاروخ أطلق من اليمن محطة للكهرباء في نجران، ما أدى إلى احتراق الجزء الأكبر منها دون وقوع إصابات.
ونتج الحريق عن ثقب أدى إلى تسرب الوقود من خزان في المحطة. والسبت، كان الوقود لا يزال يتسرب من الخزان أثناء تفقد الأضرار من قبل فرق الإطفاء ومسؤولين في منطقة نجران.
القصف "في أي وقت"
على الجانب السعودي، تجاوز عدد القتلى المئة بين عسكري ومدني.
وفي مستشفى الملك خالد، يرقد الجرحى، ومنهم مهدي الذي أصابته شظايا في أجزاء مختلفة من الوجه.
على سرير آخر، يرقد الباكستاني عمران خان إسلام خان، الذي أصيب في القصف نفسه، مغطى العينين، رأسه لُفَّ بالضمادات، وفي فمه أنبوب، وهو يتعافى من عملية استئصال شظايا من رأسه وقلبه.
ويقول أحد الأطباء إن إسلام خان "بات بخير الآن"، بينما يقف خارج غرفته عدد من أصدقائه للاطمئنان إلى حاله الصحية.
وفي قسم آخر من المستشفى، يرقد جرحى أصيبوا في اعتداءات سابقة، بينهم اليمني سليمان عبد الثابت (25 عاماً) وآخرون أصيبوا في سقوط قذائف على مشغل لتصليح السيارات.
ويقول عبد الثابت بنبرة خافتة من سريره "كنت في الورشة عندما أصابتها القذائف"، قبل أن يلمس مؤخرة رأسه ليُظهر مكان إصابته.
قبل أقل من أسبوعين، سجلت الحصيلة الأكبر في نجران عندما قتل أربعة سعوديين وثلاثة يمنيين في سقوط صاروخ، قال مسؤولون إنه كان من طراز "غراد"، ما أدى كذلك إلى تدمير معرض للسيارات في منطقة صناعية تقع فيها أيضاً المحطة الكهربائية التي أصيبت الجمعة.
ولا تزال آثار هذا القصف ماثلة للعيان: الشوارع تفيض بالوقود المتسرب، السيارات المعروضة تحولت إلى حديد ملتوٍ لا أكثر، والشظايا تركت آثارها على الجدران المقابلة للمعرض.
مضطرون للتأقلم
يواصل سكان نجران حياتهم المعتادة قدر الإمكان، إلا أنهم مضطرون للتأقلم مع احتمال سقوط الصواريخ من اليمن بشكل مفاجئ.
ويقول الشهراني إن القصف يمكن أن يحصل "في أي وقت".
وتنشر السعودية عند حدودها الجنوبية صواريخ "باتريوت" الأميركية المضادة للصواريخ، إلا أن هذه المنظومات هي أكثر فعالية مع الصواريخ البالستية منها مع تلك الأصغر حجماً كالكاتيوشا والغراد.
ويعمد الدفاع المدني في نجران إلى تحذير السكان عبر الرسائل القصيرة أو الإعلانات التلفزيونية، حول السبل الممكنة لحماية أنفسهم.
ويقول فهد جريب (48 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية "ببساطة لا نتجمع في مكان سقوط الصواريخ أو القذائف".
يضيف أن السكان يتعاملون مع واقعهم بشكل طبيعي "من دون بكاء أو صراخ"، إلا أنه رغم ذلك "الجميع يأملون في أن تتوقف الحرب".