من يقرأ هذا العنوان يعتقد أن كاتبه يبالغ قليلاً، أو أنه من هواة المدرسة الروسية، أو من هواة أحد المحسوبين عليها، والحقيقة.. لا، ليس كذلك.
أتحدث هنا عن جملة متداولة جداً كـ"قيادة العالم"، هي جملة تحمل من الخيال العلمي ما قد يثير الضحك أحياناً، لكن نريد أن نتناولها بمفهومها المجازي، كما جملة "مزبلة التاريخ"، "فمزبلة التاريخ" مجازاً في رأيي هي كل ما سيغفل المؤرخون تسجيله لاضمحلال دوره.
لزعامة العالم عادةً مقومات خارجة عن القانون، ولا تحمل عدلاً، فعلى ما يبدو فطبيعة الإنسان كساكن سابق للأدغال والكهوف تتطلب "أزعر" للحارة ليخافه؛ لأن مفهوم قيادة العالم أصبح يرتكز على ما يلي:
• فيتو في مجلس الأمن بوجه ضد أي قضية مهما كانت عادلة.
• رئيس ذي شخصية تبث الرعب في قلوب المتابعين لها.
• حروب بذرائع واهية، "ثم قياس النتائج وهو الأهم".
• قوة عسكرية مفرطة.
• أجهزة استخبارات عميقة.
• سياسة خارجية صارمة.
• لوبيات داعمة طوعاً أو اضطراراً.
تتساوى أميركا وروسيا في موضوع الفيتو فقط، إلا أنها في باقي البنود أخلت الساحة لغيرها، فلم تعد شخصية الرئيس الأميركي تلك الشخصية المهيبة، بل وتجرأ شخص كدونالد ترامب للترشح، وطبعاً بدعم الحزب الجمهوري، مع أن ترامب لم يشغل منصباً عمومياً واحداً في حياته، ولا حتى "مختار لضيعة"، عندما نأتي لنرى ماذا حققت أميركا بحروبها، من فيتنام حتى الآن.. لا شيء إطلاقاً، ولا في أفغانستان ولا في العراق، كلها حروب مخزية بلا نتائج سوى الفوضى، حتى إن توني بلير في بريطانيا "مثلاً" سيحاكم على قرار غزو العراق على اعتبار قرار كهذا جريمة!
في المجال العسكري لا شك أن أميركا تشكل قوة عسكرية ضاربة، لكن بوجود المعسكر المقابل من روسيا والصين وحتى مجنون كوريا الشمالية، أفقدها هذا التميّز الصارخ في المجال العسكري، بل أصبحنا نتحدث عن قوى، وليس عن قوة فريدة.
جهاز الاستخبارات الأميركي في كثير من المناسبات أثبت سطحيته وهشاشة مصادره، وبات يكشف نفسه بسذاجة، كالتجسس مثلاً على هواتف السياسيين الأوروبيين مثل أنجيلا ميركل.. اعتبرت فضيحة تمت "لفلفتها" بطريقة ما.
والأهم هو السياسة الخارجية الأميركية، التي لم تعد ذات جسم واضح، بل وتعمل على أسلوب التملص من أي التزام سابق، علاقات مهتزة ومتأرجحة ومع أهم حلفائها، من السعودية إلى تركيا إلى إسرائيل وحتى روسيا.
أما إذا قارناها مع الجانب الروسي، سنرى أن بوتين يحمل هيبة ورعباً "غير محمودين" لكن يتماشيان مع مفهوم الزعامة في الفكر الجمعي الإنساني الفطري، وتدخل روسيا حروبها بذرائع واهية أيضاً وبأغلب الأحيان، لكن الفارق الكبير أن روسيا تحقق النتائج على الأرض، في الشيشان وأوكرانيا، وخاصة القرم وفي صربيا والبوسنة والهيرسك وكرواتيا حتى في أرمينيا، وأيضاً كل الدول الصغيرة المحيطة بها، وخاصة ذات الزعامات الإسلامية، ثم تعيّن زعماء موالين لها وتمسح ديموغرافيا قديمة وتفرض ديموغرافيا جديدة، كما تفعل أيضاً الآن في سوريا.
ومن الجدير بالذكر أن روسيا بأغلب حروبها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وأغلبها موثق، لكنها تستطيع التملص كما أميركا من أي عقاب، وفي مجال الاستخبارات نكاد لا نعلم شيئاً عن روسيا، وهذا هو المفترض، فهذا مؤشر على أنها فعالة وغير مكشوفة، أما بالنسبة لعلاقتها مع حلفائها فتتسم بالثبات إلى حد الخشبية في العلاقات.
هل طريقة التفكير هي المشكلة؟ أليست الأفلام الهوليوودية وبعض الخرافات تسيطر على آلية تفكير الأميركيين، وأن أغلبية الشعب الأميركي ينتظر قدوم كائنات فضائية، ويؤمنون بالقوى الخارقة ويعيشون كذبة الحلم الأميركي "ألا وهو بطاقات الائتمان والديون الكبيرة"، يذرفون بعض الدموع متأثرين بتليفزيون الواقع، بل ويذهب السياسيون إلى إنشاء سيناريوهات مفترضة لا يقوم أعداؤهم بربعها ويتجرأون على طرحها في الملأ، هل تعيش أجهزة الاستخبارات مثلاً فصلاً من فصول البريطاني جيمس بوند، بينما الروس واقعيون ويتميزون بالصلابة إلى حد متعب.
أما اللوبيات التي تمثل تكتلات اقتصادية بالدرجة الأولى ثم قد تكون لها خلفيات دينية أو عرقية أو ما شابه ذلك، فهي تنحاز مباشرة باتجاه مصالحها، ودورها الأساسي في الحياة السياسية هو تحديد مدى ثبات الحكم على الأرض، ومن سيحكم في بعض الأحيان، وعندما يحدث خلل أمني كبير كما يحدث في عدة ولايات أميركية، فعلينا أن نعلم أن "لوبي" ما قد تخلى عن مجموعة حكم ما.
والسؤال الملحّ ما هي المنجزات الأميركية حالياً، ما الذي تقدمه أميركا لشركائها وماذا تضيفه للمشهد السياسي العالمي؟، في أي سطور سيكتبها التاريخ في هذه المرحلة الانحطاطية؟ أم سيغفلها المؤرخون؟
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.