“البوركيني” موضة جديدة وليس رمزاً دينياً

قضية جدلية جديدة أثارتها فرنسا بحظر ارتداء البوركيني، وهو مايوه يغطي كامل جسد المرأة، وكانت مدينة كان الفرنسية هي الأولى التي تفرض ذلك الحظر، الذي أكده حكم قضائي في الثالث عشر من أغسطس/آب الجاري، وحاول ديفيد ليسنارد عمدة "كان" شرح قراره، قائلاً: "البوركيني هو رمز للتطرف الإسلامي

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/25 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/25 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش

قضية جدلية جديدة أثارتها فرنسا بحظر ارتداء البوركيني، وهو مايوه يغطي كامل جسد المرأة، وكانت مدينة كان الفرنسية هي الأولى التي تفرض ذلك الحظر، الذي أكده حكم قضائي في الثالث عشر من أغسطس/آب الجاري، وحاول ديفيد ليسنارد عمدة "كان" شرح قراره، قائلاً: "البوركيني هو رمز للتطرف الإسلامي، وهذا هو سبب قراري بمنعه على الشواطئ"، أما منتجع فيلنوف لوبيه المجاور لمدينة نيس، فقد حظر ارتداء البوركيني؛ لأنه يخالف قانوناً فرنسياً صدر حديثاً ينص في سياقه على أن الملابس لا بد أن تحترم الأخلاق والمبادئ العلمانية، وتلتزم بمعايير النظافة وقواعد السلامة، وحاولت جمعية فرنسية لمناهضة الإسلاموفوبيا تحدي قرار عمدة "كان" في المحكمة، لكنها خسرت القضية، ووفقاً للمحكمة الإدارية التي أيدت الحظر، فإنه يقع ضمن اختصاص قانون 2004، الذي يقيد ارتداء الرموز الدينية في الأماكن العامة. وشرحت المحكمة قرارها قائلة: "في سياق حالة الطوارئ وبعد الهجمات الأخيرة التي نفذها متطرفون إسلاميون في فرنسا، فإن عرض الرموز الدينية بشكل واضح قد يكون سبباً في خلق أو زيادة التوترات وتهديد النظام العام"، أما رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس فأعلن دعمه لحظر بعض البلدات ارتداء البوركيني، قائلاً إنه يرتكز على "استعباد النساء"، وبالتالي لا يتوافق مع القيم الفرنسية، وقال فالس إن البوركيني يمثل "استفزازاً" و"رؤية قديمة" بأن المرأة "تفتقر إلى الاحتشام ودنسة، ولذلك ينبغى تغطيتها تماماً".

فمنع البوركيني طبقاً للمسؤولين الفرنسيين يأتي من منطلق أنه رمز ديني يتعارض مع الأسس والقيم العلمانية الفرنسية، ويأتي أيضاً من منطلق حقوقي، إذ يدعون أنه لا يتلاءم مع الحرية والكرامة الإنسانية للمرأة، وأخيراً يأتي من منطلق أمني؛ لأنه قد يكون سبباً في تهديد النظام العام في ظل الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في الشهور الأخيرة، وبسببها أعلنت حالة الطوارئ، والسؤال الآن: هل هذه المبررات مقنعة أم تسببت في حالة من الجدل والاستياء كانت فرنسا في غنى عنها تماماً؟

تبريرات منع البوركيني غير مقنعة بالمرة

أولاً: حظر البوركيني بحجة أنه رمز ديني ضد القيم الفرنسية هو منطق ضعيف للغاية، ومنافٍ للقيم الليبرالية التي تشكل مرجعية للدساتير الأوروبية والحريات الأساسية التي يمكن أن يمتلكها الإنسان، وهى أن يكون الفرد حراً كامل الاختيار في الفكر والمعتقد والملبس والمأكل، بشرط أن لا تكون ممارساته مؤذية للآخرين، الأكثر من ذلك أن ارتداء البوركيني ليس مقتصراً فقط على المسلمات، فنسبة كبيرة من غير المسلمات ترتديه لأسباب مختلفة، كالحماية من أشعة الشمس الضارة أو عدم الرغبة في إظهار الجسد لدى بعض السيدات كبار السن، (وسوف نثبت لاحقاً أن البوركيني موضة جديدة لرداء البحر وليس رمزاً دينياً) فحظر البوركيني بهذا المنطق يحمل تحيزاً واضحاً لقيم وثقافات محددة لا تقبل التعددية وترفض الثقافات الأخرى، بل يعتقد من اتخذ قرار الحظر أنها الطريقة المثلى لحماية الأغلبية الفرنسية غير المسلمة من التأثر بالثقافات المختلفة.

ثانياً: المبرر الحقوقي بوصف البوركيني ممارسة ضد كرامة المرأة، ويدل على استعبادها، لا يوجد دليل على صحة هذا الادعاء، فالنساء يقبلن على ارتدائه بقناعة تامة ودون إجبار، وإنما المنع الذي أقرته الحكومة الفرنسية هو نوع من الإجبار وانتهاك لحرية النساء اللائي يرغبن في ارتداء البوركيني لممارسة هوايتهن المفضلة دون إخلال بالتزامهن الديني، هذا فيما يخص المسلمات، فماذا عن غير المسلمات ممن يرتدين البوركيني للأسباب السابق ذكرها هل هن أيضا مجبرات على ارتدائه؟

ثالثاً: المبرر الأمني وهو الأكثر تهافتاً، فكيف يكون البوركيني مهدداً للأمن العام أو معبراً عن الولاء للتنظيمات الإرهابية كما توحي التصريحات الفرنسية؟ هل النساء اللاتي يرتدين البوركيني على صلة بالإرهاب؟! من الممكن أن نتفهم تخوف الحكومة الفرنسية من النقاب؛ لأنه بالفعل يشكل تهديداً أمنياً لسهولة التخفي من خلاله، لكن ما هو التهديد الذي يمثله البوركيني على الأمن العام الفرنسي؟ بل إن وزير الداخلية الإيطالي أنجيلينو ألفانو أعلن أن القيود التي تفرضها فرنسا على البوركيني قد تؤدي إلى نتائج عكسية، في إشارة ألى استياء ونفور المسلمين المعتدلين من هذا القرار.

البوركيني ليس رمزاً دينياً وإنما رداء أقرب لبدلة الغطس

الضجة المثارة حول البوركيني ذكرتني بتقرير قرأته منذ عام في "وول ستريت جورنال" عن تطور رداء السباحة، ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر؛ حيث تبدو السيدات في رداء يغطي أغلب الجسد ثم تظهر الصور المتتابعة كثيراً من التغيرات والموضات التي ظهرت خلال القرن العشرين، وغيرت من شكل المايوه لقطعة واحدة أو قطعتين كالبيكيني. التقرير يختتم بظهور المايوه المحتشم مرة أخرى مع بدء الألفية الجديدة، ويلقي الضوء على سيدة أميركية أرثوذكسية أنشأت شركة أميركية لإنتاج مايوهات محتشمة تشبه البوركيني إلى حد كبير؛ حيث يغطي الجسد كاملاً بدون غطاء الرأس.
وتقول إحدى عميلاتها السيدة ديبورا نيكسون، البالغة من العمر 58 عاماً، إنها تخلت عن مايوه القطعة الواحدة لصالح المايوه المحتشم؛ لأننا عندما نكبر نريد أن نظهر القليل من أجسامنا، وأنها "تحب أيضاً الحماية من أشعة الشمس التي يوفرها الزى المحتشم".


يبرز التقرير أيضاً أن الفتيات الصغيرات يقبلن على ارتداء المايوه الأكثر حشمة، وأن الأمر غير مقتصر على كبار السن!! يتضح من هذا أن موضة المايوه المحتشم هى اتجاه عالمي وموضة جديدة تفرض نفسها لأسباب مختلفة؛ حيث تأكد الكاتبة جوليت صامويل في مقالها في تليغراف أن "البوركيني" موضة جديدة نسبياً، وأنه لا يتعارض مع القانون الفرنسي الحالي الذي يمنع تغطية كامل الوجه، وهو أقرب إلى بدلة الغوص بغطاء رأس مثبت بها، وأن بدلة الغوص لا تشكل إخلالاً بالنظام العام أو الإساءة إلى شعور أي شخص بالنظافة الصحية.


أما المصممة الأسترالية عاهدة زناتي التي تنحدر من أصول لبنانية، والتي قامت بتصميم البوركيني منذ ثماني سنوات فقد انتقدت قرار مسؤولي البلديات الفرنسية ووصفته بالمتسرع، وقالت إنهم لا يدركون أن 45 % من عملائها من غير المسلمات. وتقول إنها تتلقى رسائل من المتسوقين من جميع الأديان والخلفيات، تقول إحداهن من كوينزلاند: "إنه مجرد رداء للسباحة بحق السماء"، وتقول عميلة أخرى من الولايات المتحدة: "أنا امرأة غير مسلمة من كاليفورنيا الجنوبية وأنا أحد الناجين من سرطان الجلد، وهو ما يعني أنني لا يمكننى الخروج في الشمس بالمايوه العادي"، وتضيف عاهدة بأنها حصلت على الكثير من رسائل البريد الإلكتروني من أناس يسألون: "هل يتأذى المجتمع الإسلامي إذا قمنا بشراء البوركيني؟".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد