ما يحدث الآن هو مجرد مخاض عسير لولادة السياسة الخارجية التركية الجديدة، ثأراً من الغرب الذي رحب بالانقلاب، ولو لم يتم إعلان الترحيب في الإعلام علناً، زار أردوغان موسكو ووقف القيصر دقائق ينتظر السلطان، وزيارة السلطان إلى إيران ستكون انتقاماً من الدول العربية التي تعادي تركيا من خلف الكواليس وتحارب توجهات تركيا الأيديولوجية علناً.
زيارة أردوغان إلى روسيا جوهرها ترطيب الأجواء وإرسال رسائل إلى الغرب مضمونها أن دول الغرب لم تكن هي الوحيدة صاحبة النفوذ والتأثير بمنطقة الشرق الأوسط، وباطنها إعادة الحركة الاقتصادية بين أنقرة وموسكو، بعد أن أغلق السلطان جميع مصالح فتح الله غولن التي كانت تعتمد عليها تركيا إلى حد كبير جداً.
أردوغان بتحركاته المكوكية التي صدمت الجميع سوف يستدرج خصوم توجهاته من دول المنطقة لكسب وده وإرضائه، خاصة بعد ستة أشهر من أزمة إسقاط الطائرة الروسية أيقنت تركيا أن العرب لا يمكن الوثوق بهم؛ لأن تحركاتهم مرتبطة بموافقات أميركية.
تركيا وإيران هما أهم قطبين إسلاميين غير عربيين في منطقة الشرق الأوسط، وهما على صلة تماس مباشر في الشأن السوري.
سياسة تركيا الخارجية الجديدة ستسهم في الضغط على الغرب والعرب في آن واحد، في حين الصمت الغربي العربي مريب وهو مندهش من أفعال الطامح أردوغان.
لم ينسَ أردوغان مشاكله مع العراق في إشارة أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن السياسة التركية الجديدة بدأت بتصفير مشاكل تركيا مع دول الجوار، وبما أن العراق هو إحدى أهم الدول المجاورة لتركيا، وهذا يرسم لتغيير واضح في السياسة التركية بالمنطقة، بعيدة عن التوجهات والأيديولوجيات، التي ستؤدي إلى جعل العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وروسيا أكثر توازناً، وكذلك تسعى تركيا إلى الحد من "التمدد الكردي" في الشمال السوري، بذريعة حماية الأمن الداخلي للبلاد، بغض النظر عن الوضع في سوريا وتداعياته.
العرب خذلوا أردوغان حتى اتجه إلى الطرف الثاني وهو إيران، في حين أن روسيا وإيران كذلك لن تساوما ولن تغيرا مواقفهما في سوريا، كونها حرباً مقدسة ومصيرية بالنسبة لهما، إذاً لماذا نشاهد أردوغان يتنازل عن مبادئه في شأن الأزمة السورية بكل ما أوتي من قوة لإرضاء وكسب ود موسكو وطهران؟
النظام السوري بدأ يغازل تركيا من خلال قصفه للأكراد الذين تخشاهم تركيا، وهذا ما يؤكد أنه عندما يتفاهم الكبار يدفع الصغار الثمن، الكبار هم القيصر والسلطان وليس المقصود المجرم بشار.
تركيا بعد الانقلاب الفاشل دخلت مرحلة جديدة في تاريخها السياسي وستنفتح على مصر طالما تم التطبيع مع إسرائيل وسيتم تكثيف العلاقات التركية السعودية وتجديد الثقة مع الحكومة العراقية بصورة عامة وإقليم كردستان العراق بصورة خاصة.
إن سياسة تركيا الجديدة لن تغير من حال تركيا فقط، بل شمل التغيير عدداً من الدول المحيطة والإقليمية، وهذا ما شكَّل صدمة لبعض الدول التي كانت تعوّل على تركيا في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.