الخارج السلبي والداخل المأزوم

شيئاً فشيئاً تتوجه الأنظار نحو الخارج، ولم يعد الداخل (معارضة ونظاماً) ضمن الحسابات دشن الأميركان هذه الانعطافة الحادة عندما مدوا يد التوافق لاقتسام قرار تقرير مصير سوريا مع شركائهم الروس من دون أن يتجاهلوا الحصة الإيرانية من خلال الاتفاق النووي، ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت روسيا (بوتين) الدولة المنتدبة الأوحد لسوريا أو المحتلة أو المستعمرة، خاصة بعد اجتياحها العسكري، وإقامة القواعد، وتشييد المطارات، إلى جانب تنصيب لجان وهيئات سياسية مخابراتية تقوم مقام الحاكم والمندوب السامي؛ لإدارة العمل السياسي وتفكيك صفوف الثورة وتسمية من هو معارض ومن هو إرهابي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/16 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/16 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش

لم يعد خافياً التبدلات الحاصلة في المعادلة السورية بتكامل قواعد وأسس (الصراع في سوريا مع الصراع عليها) مع غلبة الأخير على المشهد الراهن، وبعبارة أوضح إطالة أمد عملية الثورة على نظام الاستبداد بغية إسقاطه وإجراء التغيير الديمقراطي، وصولاً إلى سوريا الجديدة المنشودة لأسباب ذاتية تتعلق بغياب القيادة الثورية المركزية، وتشتت صفوف الجيش الحر، وتراجع الحراك الوطني العام الذي كان الشباب محركه الأساسي وتسلق أدوات الثورة المضادة باسم المعارضة، وفي مقدمتها جماعات الإسلام السياسي، وموضوعية بخذلان الثورة السورية من جانب (أصدقائها) المفترضين، وجلب النظام لجيوش الروس والإيرانيين وميليشيات المذهبية السياسية إلى جانب إرهابيي (داعش والقاعدة)؛ ليدنسوا السيادة الوطنية، ويبيدوا الشعب، ويدمروا البلاد ويغيروا تركيبتها الديموغرافية الاجتماعية.

وبعيداً عن أي تفسير -تآمري- للأحداث السورية نقول إن كل الإرادات المعادية للشعب السوري وطموحاته المشروعة في التحرر والخلاص بدءاً من النظام المستبد وانتهاء بميليشيات ومرتزقة حزب الله، وباقي الطائفيين مروراً بغزاة طغمة (بوتين) المافيوية الحاكمة بموسكو وجلاوزة ولاية الفقيه العنصرية المذهبية المتسلطة على مقدرات إيران، مضافاً إلى هؤلاء الأعداء مكر وغدر وتردد (الأصدقاء والأشقاء) المفترضين، كانوا إما بالمرصاد لأي تقدم للثورة السورية، ناهيك عن انتصارها أو غير مبالين لطموحات السوريين أو اخترقوا صفوف الثوار، واختلقوا معارضات على مقاسهم، سقفهم الأعلى الحوار والتفاهم مع النظام، والتسليم بمؤسساته.

شيئاً فشيئاً تتوجه الأنظار نحو الخارج، ولم يعد الداخل (معارضة ونظاماً) ضمن الحسابات دشن الأميركان هذه الانعطافة الحادة عندما مدوا يد التوافق لاقتسام قرار تقرير مصير سوريا مع شركائهم الروس من دون أن يتجاهلوا الحصة الإيرانية من خلال الاتفاق النووي، ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت روسيا (بوتين) الدولة المنتدبة الأوحد لسوريا أو المحتلة أو المستعمرة، خاصة بعد اجتياحها العسكري، وإقامة القواعد، وتشييد المطارات، إلى جانب تنصيب لجان وهيئات سياسية مخابراتية تقوم مقام الحاكم والمندوب السامي؛ لإدارة العمل السياسي وتفكيك صفوف الثورة وتسمية من هو معارض ومن هو إرهابي.

يتجلى مشهد الصراع على سوريا بصورة فاقعة في جملة من التطورات والأحداث الأخيرة بدأت بما يشبه فك الارتباط الأميركي مع (الائتلاف)، كما ظهر من مجريات اللقاء الأخير بين الطرفين، والاكتفاء بالحرب على داعش كأولوية وحيدة وحدوث سلسلة "المصالحات" التركية – الروسية، وقبلها التركية – الإسرائيلية، استكملت باللقاء الدافئ التركي – الإيراني، وتشير الدلائل إلى أن الملف السوري لم يتصدر القضايا الأخرى بين الأطراف المتحاورة فحسب، بل شكل مادة رئيسية انطلقت منها التوافقات، وبعبارة أخرى الصفقات التي لن تصب لصالح أهداف الثورة السورية، ولن تحقق الحد الأدنى من مطامح السوريين، بل تكرس مسار تبعية المصير السوري للخارج الإقليمي والدولي بمعزل عن أي دور عربي رسمي الذي يظهر وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد.

حتى معركة حلب التي لا يمكننا إلا الاعتزاز بجهود أولئك المقاتلين الذين أداروها لكسر حصار جيش النظام ومرتزقته وسائر الميليشيات المذهبية عن المدينة، ونترحم على أولئك الشهداء الأبرار كانت ملحقاً أو مكملاً للأحداث الخارجية وللتحرك التركي في مصالحاته وليس محركاً أو منطلقاً لها، بل مادة للوصول إلى نوع من توازن المصالح، خاصة بعد فشل الانقلاب العسكري الذي تردد بوجود صلة سورية – إيرانية غير معلنة به عبر ضباط من العلويين الأتراك، وبعض أوساط "ب ك ك" الموالية للمحور الإيراني السوري، إضافة طبعاً إلى جماعة غولن.

بموازاة رجحان كفة معادلة (الصراع على سوريا) إقليمياً ودولياً وميلانها لمصلحة الطرف الروسي، وتراجع الدور الإيراني فإن الأخير وبحسب الطبيعة الباطنية لنظامه الحاكم لن يتخلى بسهولة عن قنواته وأدواته السورية الداخلية بما في ذلك مؤسسات النظام، وتشير القرائن إلى تصعيد في اللهجة الإيرانية ليس تجاه الحالة السورية فحسب، بل بخصوص سياسة النظام العراقية واليمنية واللبنانية والموقف تجاه كردستان العراق، خصوصاً عشية معارك تحرير الموصل وينعكس ذلك التشديد على جميع حلفائه وأدواته بالمنطقة.

وبحسب المعلومات الواردة المستقاة من اجتماعات قيادة "ب ك ك" في قنديل (التي تقود تنظيماتها وفروعها في العراق وإيران وسوريا إضافة إلى تركيا)، حيث تم الإبقاء على القيادة السابقة التي تورطت في الكثير من القضايا فإن التصعيد ظل سيد الموقف ضد المؤسسات الشرعية في إقليم كردستان العراق والانغماس أكثر في الشؤون الداخلية للإقليم والدخول طرفاً في خلافاته السياسية إلى درجة بناء التحالفات مع مراكز القوى المذهبية في بغداد المعادية لمصالح شعب الإقليم، والمضي في السياسة الخاطئة المدمرة المتبعة من جانب "ب ي د" في سوريا تجاه الكرد والثورة والقوى الوطنية والتحضير لجولات عنف جديدة في تركيا لن تنتج عنها سوى الدمار.

ما زلنا نرى أن إعادة التوازن إلى الاختلال الحاصل وإعادة تكريس معادلة (الصراع في سوريا) على قاعدة مبادئ وأهداف الثورة السورية وإنقاذ الملف السوري كقضية وطنية ديمقراطية من خطط ومشاريع القوى المتصارعة على النفوذ بمنطقتنا والتمهيد لخلق أرضية مناسبة لحوار الشركاء بالداخل السوري لن تتم إلا بانعقاد المؤتمر الوطني السوري الجامع لكل المكونات والأطياف والتيارات السياسية الوطنية؛ لإجراء المراجعة الشاملة والمكاشفة وصياغة البرنامج السياسي وصولاً إلى انتخاب مجلس سياسي – عسكري لمواجهة تحديات المرحلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد