في صغري حينما أخطئ أو أتعمد الخطأ في أمر ما، ويأتي المعلم ليأدبني، أضطر لأن أقول إن صديقي "قصي" هو الذي فعلها، إنه هو، إنه ماكر وداهية ويتصنع الأخلاق الفاضلة يأتيكم بثوب الهدوء، وسرعان ما يبدأ المعلم يؤدبه، وأنا أهرب بفكرتي هذه دائماً، حتى إنني لكثرة فعلي إياها صرت أؤمن بها وصار "قصي" يؤمن بأنه ماكر.
أمر غريب، لقد صنعتُ ماسونية في حياتي تساعدني في الهروب من حقيقتي وواقعي وأنفي دائماً عن نفسي النقص والشبهة، وأتمايل كأنني مختار مفضل على الجميع رغم أنني أنا الفاشل فيهم.
العرب كلهم يصنعون هذا الأمر، لست الوحيد، وبهذا العمل المتكرر أصبح أي عمل لعربي غير صائب يرجعه الجميع ليس لعربيته أو لدينه أو لخلقه أو لنقصه أو لأي شيء يتصل بكيانه هو، لكنهم يرجعونه إلى الماسونية وإلى اليهود الخونة، أو كما يقال إخوة القردة والخنازير، أو إلى أناس هم يضمرون الحقد للدين، وما إلى ذلك، حتى إنني أصبحت أرى أن العرب مساكين براء من كل شيء متسامحون كاملون أخلاقياً، وأي شيء يحدث هو من فعل آخرين.
أمر غريب حقاً أن ننتظر التطور من أمة لم تعترف بعد بفشلها الذريع، ولم تعترف بعد بنقصها الفادح الحقيقي، ولم تتدارك ولم تتعلم من أخطائها، بل ولحد الساعة لا تجد لها خطأ، وأن الأمر مدبر بقضية المؤامرة أو الحروب الصليبية أو الماسونية أو كهنة اليهود، وما إلى ذلك، إلى درجة أنني أحياناً أخمن بأن الله لن يحاسبنا أبداً؛ لأننا لسنا نحن، هم نحن ببساطة.
في الأخير، لا أريد أن أضع أمثلة أو أدقق في الكلمات كثيراً أو أكشف أمري بأنني مبعوث من الماسونية لأبعد الماسونية، لعله قد تبادر هذا الحديث إلى أحدهم، وسيتهمونني بأنني ماسوني، وأنني عميل، ثم يبلغ أحدهم وتحذف هذه المقالة وأصبح مطرودة من السباحة في بحر الأفكار الشائكة، إنه نذير شؤم حقاً.
لا تخبروا أحداً أرجوكم بأنني مَن صنع الماسونية في صغري أو مَن نسج خيوطها، فقط اكتفوا بأن تعرفوا أنني أو من لم يعترف بخطئه، فواصل خطأه وكرره وجلس بجانبه، كحال أي عربي لا يريد تغيير نفسه، ومعالجة حقيقة فشله مع نفسه ومجتمعه، ويصنع ماسونية يوهم بها نفسه، ويختفي وراءها، ويطرد الوعي من بيته، ويتحصن بالعتمة يلعن الآخر في كل نَفَس.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.