الدعوجي وما أدراك ما الدعوجية

وإني أهيب بهيئة المحامين أن تكون أولى أولوياتها في السعي قدماً في التعاون مع وزارة العدل ووزارة التعليم في صياغة حملات توعوية وتثقيفية للنشء من خلال وضع مواد منهجية ميسرة توضح أبجديات الحقوق وملامح النظام القانوني في المملكة وخارج حدود المملكة؛ لكي نكون وضعنا أقدامنا على بداية صحيحة لتصحيح الوعي المجتمعي في هذا الديدن المؤثر.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/13 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/13 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش

يتبادر كثيراً في السنوات السبع الماضية إلى اليوم على أسماعنا المصطلح المتداول بين الناس، وخصوصاً من يمتهنون العمل القضائي أو المحاماة مسمى الدعوجي، وهو باختصار شديد كائن طفيلي يحاول الالتصاق بشكل مباشر أو غير مباشر في الجسد العدلي في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً في جسد المحاماة تلك المهنة النبيلة السامية التي تعتبر حسب وصف الكثير من أدباء الفقه القانوني، إن صح التعبير بأنها حائط الصد الأول في المجتمع حقوقياً، لكونها مهنة الدفاع عن حقوق الأبرياء ويعتبر وجودها ضرورة عدلية في هذا الزمان الذي كثر فيه تداخل الأنظمة والتباسها على الناس؛ لعدم تخصصهم أو لضحالة الثقافة القانونية لديهم، حيث أصبحت الحاجة ملحة إلى من يقدم العون القانوني والاستشاري في الأروقة القضائية بمختلف درجاتها بما يساعد الأجهزة القضائية على استبيان الحقائق، ومن ثمّ إصدار أحكام غير مشوبٍ بعيب مخل في ميزان العدالة.

ولكن ما نشهده الآن من تزايد نشط لأعمال الدعوجية المنتهكة لحقوق الخاصة والعامة متجسد فيما يعتبر عملية نصب واحتيال، رغم وضوح نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422ه، والذي جاء لينظم مهنة المحاماة والمنتمين لها، وليعيد ترتيب المهنة بعد أن كانت مرتبطة بأكثر من جهة ما بين وزارة التجارة التي تمنح ترخيص مزاولة مهنة الاستشارات القانونية، ويكون ذلك وفق مؤهل أنظمة وما بين المحاكم الشرعية التي تمنح تصريحاً أو ما يسمى إجازة الوكالات الشرعية، والذي يمنح بدون اشتراط مؤهل أو تخصص معين عن طريق المحاكم بعد تصديقه من محكمة التمييز.

وقد عرف النظام في مادته الأولى المحامي بمن قيد اسمه في جدول المحامين الممارسين، وبينت المادة الثالثة من النظام أن القيد في جدول المحامين الممارسين وفق شروط محددة، ويأتي ذلك لتنظيم المنتمين لهذه المهنة والحرص على أن يكونوا مؤهلين شرعياً ونظامياً، ويملكوا الخبرة الكافية التي تؤهلهم للدفاع عن حقوق الآخرين ومصالحهم، والوقوف إلى جانب القضاء في المنظومة العدلية.

ولقد نصت المادة 37 من نظام المحاماة بعد تعديلها بقرار مجلس الشورى رقم (74/36) وبتاريخ 20/7/1437ه المرفوع لمجلس الوزراء الذي وافق بدوره على التعديل، وجاء فيه ما يلي: "يعاقب من ينتحل صفة المحامي أو من يمارس مهنة المحاماة بعد شطب اسمه من جدول المحامين، بالسجن مدة تصل لسنة، أو بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف ريال، أو بهما معاً، ويجوز تضمين الحكم الصادر بتحديد العقوبة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، أو في أي وسيلة أخرى مناسبة، وذلك حسب نوع الجريمة أو المخالفة المرتكبة وجسامتها وتأثيرها، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة القطعية".

ولكن الكثير يعتقد أن هذا هو الرادع الذي قد يضع حداً لمن يطلق عليهم الدعوجية، لكن هذه الفئة الطفيلية الدخيلة على مهنة المحاماة، وهي منهم براء، استغلوا ما يكاد يعتبر ثغرة في النظام؛ حيث يستغلون ما ورد نصاً بالنظام تحديداً في المادة الثامنة عشرة لمن يحق لهم الترافع عن الغير أمام الجهات القضائية من غير المحامين، وذلك بحصرها في الوكيل الشرعي بحدود ثلاث قضايا بشرط أن يكون سعودي الجنسية، وأن يكون غير موظف، وفي الأزواج والأصهار والأشخاص من ذوي القربى حتى الدرجة الرابعة، وفي الممثل النظامي للشخص المعنوي والمنصوص عليه في عقد تأسيس الشركة أو المدير في السجل التجاري والوصي والقيم وناظر الوقف والقوامة ومأمور بيت المال، والمتدرب لدى مكتب المحامي بصفته وكيلاً عن المحامي جميع هؤلاء ذكرهم النظام في أن يحق لهم الترافع أمام الجهات القضائية، ولكنهم لا يحملون ترخيص مزاولة مهنة المحاماة، ولم يقيدوا في جدول المحامين الممارسين، وبالتالي لا يحق لهم أن يطلق عليهم "محام"، ولا يمكن تأديبهم من خلال لجنة تأديب المحامين في حالة إخلالهم بواجباتهم مع موكليهم أو مع الجهات القضائية.

ومن هنا تمكن هذا الكائن الطفيلي بالولج لعالم المحاماة، كما يعتقد في قرارة نفسه، ويوهم الآخرين بذلك مستغلاً ضحالة الثقافة القانونية في مجتمعنا للأسف، مما أوجد كثيراً من حالات التلاعب والاستغلال والتحايل التي تعتبر عاملاً مؤثراً في استقرار التعاملات المالية والائتمانية والتعاقدية في الجسم الاقتصادي للدولة، فكيف في الاستقرار العدلي للمنظومة الحقوقية في الدولة.

وإني أهيب بهيئة المحامين أن تكون أولى أولوياتها في السعي قدماً في التعاون مع وزارة العدل ووزارة التعليم في صياغة حملات توعوية وتثقيفية للنشء من خلال وضع مواد منهجية ميسرة توضح أبجديات الحقوق وملامح النظام القانوني في المملكة وخارج حدود المملكة؛ لكي نكون وضعنا أقدامنا على بداية صحيحة لتصحيح الوعي المجتمعي في هذا الديدن المؤثر.

وفي منظوري الشخصي من خلال معايشتي لتلك الوقائع التي أشاهدها يومياً مع كثير من زملاء المهنة في الواقع الميداني فإن جهات الاختصاص في الدولة، وخصوصاً وزارة العدل، لم تتخذ الأدوات المساعدة في تطبيق نصوص النظام الصادر للمحاماة، وذلك يتلخص بوضع آليات تحدد وتميز المحامي عن غيره، وذلك على سبيل المثال ألا تصدر الوكالات الشرعية للمحامي إلا وقد ذكر فيها المسمى المهني للمحامي ورقم قيده في سجل المحامين في وزارة العدل وتاريخ انتهاء تصريحه، وأن يكون للمحامين رواق خاص في كل محكمة أو دائرة عدلية لا يدخل فيه إلا المحامون، وأن يكون للمحامي والمحكم رداء خاص يميزهما كمثل ما تقوم به باقي دول العالم التي تبجل وتحترم حماة الحقوق وأعوان القضاة في المنظومة العدلية.

وإننا لمعشر المحامين في المملكة نثمّن الجهود المبذولة من جهات الاختصاص التي أحدثت نقلة نوعية في عالم المحاماة مهنياً، خصوصاً بعد أن تأسست الهيئة السعودية للمحامين بموجب قرار مجلس الوزراء رقم: (317) وتاريخ: 8 / 7 / 1436ه الموافق 27/ 4/ 2015م القاضي بالموافقة على تنظيم الهيئة السعودية للمحامين التي عليها أن تتكفل بعلاج القصور في بعض الجوانب المهمة التي نرى ضرورة الالتفات إليها ومعالجتها، إذ إننا في حاجة ماسة إلى أن يكون هناك قسم اليمين للمهنة يدلي به المحامي والمحكم الذي اجتاز متطلبات اللجنة المختصة أمام وزير العدل؛ لكون وزارة العدل هي مرجع المحامين ومظلتهم حسب النظام الصادر بمرسوم ملكي عام 1422ه؛ لكي يترسخ المفهوم المهني أكثر لدى المحامي، ولدى المجتمع أيضاً، فهي مهنة لا تقل أهمية عن الجندي الذي يذود عن الوطن، فالمحامي يذود عن حقوق المظلومين، فهناك مجموعة من المهن تتطلب القسم المهني، خصوصاً التي يتعلق بها مصائر الناس، وأن تقوم الهيئة بالإسهام والارتقاء بالبيئة العدلية والمشاركة في تطوير المهنة والمحافظة عليها من كل دخيل ومتطفل، خصوصاً الدعوجية، وعلى الرغم من وجود كيانات للمحامين في شكل لجان تعمل تحت مظلة الغرف التجارية، فإنني لا أجد أن هذه اللجان قامت بدورها المطلوب لكثرة العوائق أمامها، فجل مخرجاتها عبارة عن مناشدات والتماسات لم تحقق المنشود منها.

كما لا بد أن تكون هناك خطة استراتيجية من قِبل هيئة المحامين لتطوير مهنة المحاماة مثلها مثل الخطة الاستراتيجية لتطوير القضاء في المملكة، خصوصاً أن أعداد المحامين في ازدياد، ومن الطبيعي أن تزداد متطلباتهم وتكون ذات تركيز أكبر في حل مشكلة التدريب الميداني لحديثي التخرج من المحامين، فلقد حان الوقت لكي يكون هناك مركز متخصص تحت إشراف وزارة العدل وهيئة المحامين بمعايير أكاديمية متطورة لتدريب حديثي التخرج بشكل صحيح ومهني بحت يكفي حديثي التخرج ذل السؤال والتوسل للتدريب لدى مكاتب المحاماة، وتكون الشاهدات الصادرة منه معتمدة دولياً.

لو تحقق ما ذكرت كأولوية تبقى الطابع الشكلي أمام هيئة المحامين لرسم صورة أيقونية لتقدير المحامي في المجتمع من حيث المكانة في مجالس القضاء وأروقة المحاكم، ومع الأسف فالمحامون ليس لهم أروقة خاصة كما أسلفت توفر لهم الخدمات الأساسية في المحاكم كما هو معمول به في أغلب دول العالم، وخصوصاً دول الجوار في مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن مواقف السيارات التي مع الأسف تجد جل الزملاء من المحامين يتأخرون عن جلساتهم بسبب البحث عن موقف لهم؛ لكي يصلوا للمحكمة، خصوصاً ممن هم من ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة.

كما على جهات الاختصاص أن تصدر تشريعات تلزم الجهات ذات العلاقة بأن لا تقبل الترافع أو التوكيل في القضايا الجنائية أو المالية أو التخصصية البحتة التي لا يترافع فيها إلا محامٍ مرخص، كما أن يوقع من يرفض اختيار محامٍ مرخص في تولي قضاياه التخصصية على تعهد بتحمل فيه مسؤولية ما سوف يقدم عليه في حال توكيله من هو ليس محامياً معتمداً لدى وزارة العدل وهيئة المحامين، وعلى وزارة العدل بتعاون مع الهيئة تعزيز الرقابة ومتابعة البلاغات التي تردها من المحامين وغيرهم ضد بعض الأشخاص المنتحلين، خصوصاً أن بعض الأمور واضحة أمام الجهات المختصة وتستحق الإحالة إلى الادعاء العام وتوقيع العقوبة بحق المخالفين (الدعوجية)، الذين يتخذن من كلمة مستشار أو محكم معتمد كغطاء ليوهم الناس ويغرر بهم لممارسة الاحتيال، والصفتان متشابهتان في الجرم، علماً أن النظام يعاقب على جميع ما تقدم، ولكن تلك الفئة الطفيلية تستغل عدم تكييف بعض الجهات وصف مستشار أو محكم، علماً بأنها جريمة انتحال ومخالفة نظامية صريحة لا بد لها من وقفة حازمة، ولكن الغريب أن هناك حالة غير مفهومة من المجتمع في الستر على تلك الفئة.. فلماذا؟

في حال لم يتم التصرف السريع من قِبل جهات الاختصاص وتفعيل الأدوات القانونية الحازمة في التعامل مع تلك الفئة المتطفلة على عالم المحاماة المتجدد في المملكة العربية السعودية، فسوف تكون أكبر معضلة أمام وطننا الذي يأمل في تحقيق رؤية السعودية 2030م؛ لكون الأعمال والتصرفات السلبية الناجمة عن تلك الفئة تزعزع الثقة الحقوقية والعدلية والائتمانية في اقتصاد المملكة، مما يخلق جواً من عدم الارتياح لكل من يشرع في المضي قدما في التقاضي داخل الأراضي السعودية من مواطن أو مقيم، وهذا مما لا تحمد عقباه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد