استقبلت النخبة السياسية المغربية وعموم الرأي العام الوطني والدولي، في عز الاحتفالات بعيد العرش، حدث إطلاق اسم الزعيم المغربي الوطني والاشتراكي، الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي، على أحد شوارع مدينة البوغاز الطنجوية، (استقبلت) هذا الحدث التاريخي بنوع من التفاعل البناء؛ لما له من معانٍ ودلالات وطنية وإنسانية وسياسية وثقافية.
ويأتي تكريم أبي اليساريين المغاربة، وأحد المؤسسين البارزين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمعارض لنظام مغرب الجمر والرصاص، في سياق سياسي مغربي خاص ومتميز بعناوين سياسية واجتماعية عريضة، أبرزها عنونان أساسيان: "من الانتقال الديمقراطي إلى معركة الديمقراطية"، ومن "التناوب التوافقي إلى معركة التوافق الوطني".
وإذا كنا لا نحتاج في هذا المقال إلى أن نتوقف عند مولد ونشأة وتكوين الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي، ولا عند الوظائف والمسؤوليات السياسية والحقوقية التي تقلدها وطنياً وأممياً منذ أربعينات القرن الماضي (منذ أن كانت سنه لا تتجاوز 19 سنة)، ولا عند الجوائز والنياشين والأوسمة والشهادات، فإن ما نحتاج إليه وفي هذا الوقت بالذات هو استحضار دروس وعبر ربيع عام 1998، تاريخ تشكيل حكومة "التناوب التوافقي" التي ترأسها ذات الزعيم الاشتراكي عن جدارة واستحقاق.
فالأوضاع والمستجدات السياسية الكبيرة، التي استحضرها خطاب العرش الأخير، وتتويج الاحتفالات بتكريم مقاوم وزعيم وطني أسهم في إشاعة مناخ الاستقرار والتوافق واسترجاع الثقة ببلادنا، بعد مرحلة عسيرة من عمرنا السياسي، تستحق كل الانتباه والتقدير، والتي تذكرنا بأهم المحطات التاريخية التي مر بها المغرب منذ حكومة الراحل عبدالله إبراهيم، وما عاشه المغرب خلال عقدين متتابعين من عنف إداري وتوتر اجتماعي واحتقان سياسي.
لكن ما يحز في النفس اليوم، هو الأوضاع القاسية التي تمر بها عموم فئات وطبقات الشعب، في جبالة والريف والأطلس والشرق والغرب والجنوب، وقد جاء ذلك في خطاب الملك محمد السادس، السنة الماضية، بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لاعتلاء عرش المملكة؛ حيث قال: "ما يحز في نفسي، رغم التطور الذي حققته بلادنا، تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولة، وخصوصاً بقمم الأطلس والريف، والمناطق الصحراوية والجافة والواحات، وببعض القرى في السهول والسواحل"، وهو ما يدعونا جميعاً اليوم إلى التفاعل الإيجابي مع توجهات المؤسسة الملكية للقضاء على جيوب الفقر والهشاشة والاستبعاد الاجتماعي.
إن نضالات عبدالرحمن اليوسفي وغيره من المناضلين الوطنيين، يجب استحضارها واستلهام دروسها من أجل تسريع شروط الانتقال الديمقراطي، خصوصاً بعد ما راكمته الحياة السياسية المغربية منذ عقد الثمانينات من انفراج وإفراج وإصلاحات وقوانين وتعديلات دستورية وتجاوب المؤسسة الملكية مع المذكرة الدستورية المرفوعة إلى الملك من زعيمَي المعارضة عبدالرحيم بوعبيد وأمحمد بوستة سنة 1994، وتعديلات دستورية سنة 1996.
إن استحضار الزعيم اليساري اليوسفي في قلب احتفالات الذكرى السابعة عشرة لتربع الملك محمد السادس على العرش، لا يمكن قراءته إلا من خلال زاوية استكمال عملية هذا الانتقال الديمقراطي الهادئ، واعتراف رسمي بدور اليسار التقدمي في عملية بناء المغرب الجديد، واعتراف بالتضحيات الجسام التي قدمتها قوى التغيير الديمقراطي الحداثي، وفي مقدمتها أبناء المدرسة السياسية العمومية والشعبية التي أسسها المهدي بنبركة وعبدالرحيم بوعبيد والأستاذ عبدالرحمن اليوسفي وثلة من خيرات رجال ونساء وشباب الوطن.
إن ما يحدث اليوم في المغرب من تحولات ونكوصية، كان متوقعاً وقيل عنه الكثير؛ لأن جراح الماضي لم تندمل بعد، ولأن سنوات القمع الأسود أرهبت كل المناضلين وعائلاتهم، ولم تترك لهم هامشاً للتنفس، فكان لا بد من مرحلة انتقالية لإعادة الأمل والثقة من خلال الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر والانتقال من علاقة معينة بين الدولة والمجتمع إلى علاقة أخرى يسودها الحب المشترك للوطن والتوافق حول الخيارات الكبرى للبلد، والانخراط الجماعي والفعال في ورش عهد جديد بعيداً عن التسلط والتحكم السياسي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
لقد شكلت نسبة مناضلات ومناضلي حزب عبدالرحمن اليوسفي 75 في المائة من ملفات ضحايا الجمر والرصاص، التي عولجت من قِبل هيئة الإنصاف والمصالحة، فضلا عن الأدوار التاريخية والطلائعية التي لعبها ذات الحزب، سواء في الحقل الإعلامي والحقوقي والتعليمي والتربوي، واتحاد كتاب المغرب، وهيئات المحامين بالمغرب، وقطاع النساء والشباب والأندية الثقافية والرياضية ومختلف ديناميات ملتقى الأجيال، وكل هذا وذاك يجسده تراث اليوسفي الكفاحي والنضالي، ولا يحتاج إلى حجج أو أدلة.
إن استحضار المؤسسة الملكية لهذا التاريخ، وربط الماضي بالحاضر، يجب الإشادة به وربطه بحلقة استكمال ورش التناوب غير المكتمل والتسريع بوتيرة الانتقال الديمقراطي إلى تحقيق المجتمع الحداثي والديمقراطي، الذي يعتبر دستور 2011 نقطة مفصلية في صيرورته المجتمعية.
وأخيراً، فالمغرب اليوم في حاجة لكل رموزه ولكل قواه، وفي حاجة لتكريم أبطاله وهم أحياء، وما تكريم عريس الانتقال الديمقراطي إلا بداية الطريق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.