هذه المدن بتاريخها وبعمقها الحضاري عنوان للتألق، الفلوجة وغيرها هي جزء من كل، المعاناة اليوم هي معاناة أهل السنة في المنطقة، من الموصل إلى الأنبار شرقاً، ثم إلى حلب ودمشق غرباً، هناك مخطط لتحويل هذه المناطق إلى تراب وإلى أرض محروقة؛ هناك مخطط يسير بطريقة تركيبة تشمل تهديم المدن والبيوت، وتحطيم البنى التحتية والاقتصادية، والجانب التربوي والتعليمي، والجانب الخدمي والصحي، وكأنه يراد لهذه المناطق أن تكون شيئاً آخر.
المنطقة الآن تحرق وتحرث، وربما تهيأ لزرع جديد، الله أعلم بهوية هذا الزرع الجديد وطبيعة الزرع، لولا فضل الله تعالى لأصبح هناك بصيص من الأمل في المنطقة بعد "عاصفة الحزم" التي انطلقت في اليمن، ووصل شيء من ريحها الطيب إلى العراق وسوريا، وكان الناس قد وصل بهم الأمر إلى حالة إحباط شديد، الشيء الملموس بعد "عاصفة الحزم" أعتقد أنه على الجانب النفسي والمعنوي لدى سنة العراق وسنة سوريا وأهل صنعاء فقد بدأ الشعور وكأن هناك شيئاً جديداً يحصل في المنطقة لصالح أهل السنة.
خلال السنوات الماضية لعقد أو يزيد كان التفرد الإيراني واضحا، كانت إيران متفردة في المشهد، تفعل ما تشاء دون رقيب ولا حسيب ولا أي رد فعل على أقل تقدير، اليوم بدأنا نشعر أن هناك مَن يقف يقول لها "لا"، فالذي حدث في اليمن انعكس بلا شك في العراق وسوريا والمنطقة ككل.
اليوم "داعش والحوثي" التي هي أداة من أدوات المشروع الإيراني بلا شك اليوم تتراجع في مناطق كثيرة بغض النظر عمن يستفيد من هذا التراجع، لكن تراجع داعش وغيرها بالنسبة لنا هو لا يقل أهمية عن تراجع الميليشيات.
السؤال المهم الآن: مَن الذي يجوع الفلوجة؟ ويقتل حلب؟ ويعبث بصنعاء؟ لهذا السؤال إجابة ذات شقين:
أولاً: الموضوع مركب ومعقد إلى حد كبير بلا شك، فالحكومات بوصفها القانوني هي المسؤول الأول عن كل شيء يحدث في البلدان، سواء كان من الميليشيات أو داعش أو الحوثي أو أي جهة أخرى، فما يحصل تتحمله الحكومات بالدرجة الأولى.
ثانياً: أن هناك معلومات واضحة بأن الحكومات هي من سهلت وصول "داعش" إلى الفلوجة، والحوثي إلى اليمن، وهذا أمر يكاد يتفق عليه كل المراقبين، خاصة من الداخل، بحيث أن هناك خارطة مرسومة لتحرك هذه الجماعات، لن تمر مثلاً بمناطق أخرى، وكل الذين هم في الداخل يعرفون هذه الحقيقة، فكان ممكناً لـ"داعش" أو "الحوثي" أن تحرجا الحكومات وتحرجا الإيرانيين لو أنهما تقدمتا خطوات باتجاه الحدود الإيرانية.
طبعاً نحن لا نريد لهذه الجماعات أن تتمدد في أي منطقة، لكن ما يدل على كلامي أن داعش والحوثي وغيرهما تتحرك ضمن "الرشمة" الإيرانية، أنها لن تتوسع إلا في المدن والمناطق السنية، وهي التي حولت المدن السنية إلى ساحة حرب؛ والنتيجة واضحة في العراق مثلاً بأن المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية بقيت سالمة لم تتعرض إلى أذى لم تدخل في حرب بينما المدن السنية كلها أصبحت خراباً.
في ما يتعلق بدور الأهالي في كل هذه المناطق فالكثير يسأل أين هؤلاء؟ أين ذهبوا وتركوا مناطقهم؟ هذه مفارقة ينبغي أن ننتبه لها، قبل دخول "داعش" إلى هذه المدن وغيرها كان هناك حراك، كان المئات يعتصمون في الساحات والمناطق العامة، والناس العقلاء هم من يقودون هذا الحراك، بدخول هذه "الجماعات" انتهى هذا الشيء، يعني لا يستطيع أحد أن يقدم أي صورة لأهل السنة، إلا الصورة التي تراد لها من خلال صورة "داعش".
هناك ملاحظات، نعم لدينا ملاحظات كثيرة على سلوك بعض أفراد هذه القبائل، لكن القوة التي تقاتل "داعش" في هذه المدن السنية هي هذه العشائر، ما هو المطلوب؟
المطلوب أن هذه القبائل أمام خيارين؛ أما أن نتمسك بملاحظاتنا على هذه العشائر، ثم نترك ثغرة للشيطان ونجعل هذه العشائر وهي تواجه "داعش" أو الحوثي لا تلتفت إلا إلى إيران، وممكن أن تستغل إيران هذه الثغرة، وإما يكون للعرب موقف آخر.
أن يدخل العرب ليوطدوا علاقتهم بهذه القبائل، ويحاولوا ترشيد هذه القبائل، إذا كانت هناك أخطاء، وإذا كانت هناك تجاوزات، أنا لا أعتقد أن هناك صعوبة بالموضوع، لو كان هناك رغبة في التدخل، فالأمر سهل، والتدخل لا يقتصر على التدخل العسكري فقط، وإنما يتم لملمة البيت السني الداخلي في دعوة لعلماء الدين ولوجهاء القبائل الموثوقين والاتفاق معهم على مشروع سني، ويمكن دعوة هؤلاء إلى أي مكان، واللقاء بهم.
القضية ليست مصلحة أهل السنة في داخل العراق وسوريا واليمن فقط، فالمشكلة التي نعاني منها أن إيران تتحرك بمشروع طائفة عابرة للحدود عابرة للأقطار، ونحن لحد الآن نتحرك بمنطق القطرية، العراق واليمن وسوريا، تتحرك بمنطق القطرية، العراق يتحرك بمنطق العراق، واليمن تتحرك بمنطق اليمن، وسوريا كذلك.
نحن بحاجة لأن نقف أمام المشروع الطائفي العابر للحدود والأقطار بمشروع أمة، نحن نستطيع ذلك، وهذا هو الموقف الشرعي (وأن هذه أمتكم أمة واحدة)، نحن لا نعرف ما الذي يحول لحد الآن بين تواصل أهل السنة والجماعة في كل العالم الإسلامي.
اليوم هناك بشائر جيدة، فما حصل في "عاصفة الحزم" وما حصل في "رعد الشمال" اتفاق عربي – إسلامي واضح، نأمل كثيراً أن يكون أثره في سوريا والعراق واليمن، هناك بصيص من الأمل، أهل السنة اليوم في العراق وسوريا واليمن رغم الجراح ورغم الجوع ورغم الضر فإنهم يشعرون بأنهم قادرون على أن يتواصلوا مع عمقهم الطبيعي وعمقهم الديني والعروبي، ويشعروا بأنهم قادرون على أن يفعلوا شيئاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.