الأزمة السورية في الإعلام.. بين الحياد والموضوعية

مرت الأزمة السورية بعدة مراحل منذ انطلاقة الثورة قبل سنوات، فبعد بداية احتجاجية خفيفة في عدد من المدن تأثراً بالموجة الثورية التي اجتاحت عدداً من دول المنطقة، تحمس بعض الشعب السوري لرفع أصواتهم وحلموا بالمطالبة بحقوقهم عندما شعروا بوجود وميض من الأمل في إحداث تغيير ما، إلا أن أحلامهم تبخرت سريعاً بعد المواجهة مع النظام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/12 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/12 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش

مرت الأزمة السورية بعدة مراحل منذ انطلاقة الثورة قبل سنوات، فبعد بداية احتجاجية خفيفة في عدد من المدن تأثراً بالموجة الثورية التي اجتاحت عدداً من دول المنطقة، تحمس بعض الشعب السوري لرفع أصواتهم وحلموا بالمطالبة بحقوقهم عندما شعروا بوجود وميض من الأمل في إحداث تغيير ما، إلا أن أحلامهم تبخرت سريعاً بعد المواجهة مع النظام.

الأزمة السورية ليست بغريبة عن النهج الإعلامي عالمياً؛ حيث تتسلق بعض وسائل الإعلام، وتحديداً الشبكات الإخبارية التلفزيونية على قضايا الساعة لتحقيق أهدافها أو دعم توجهات وسياسات داعميها، وهو نهج لا يمكن أن يوصف إلا بغير الشفاف على أقل تقدير، وإذ إن الحديث عن الأزمة السورية، فوسائل الإعلام العربية تتهافت على الأزمة لتمرير أخبار أو إعادة صياغتها بما يخدم مصالح من خلفها؛ حيث يساعد تعقد المشهد وتداخل الأطراف وتشابك الدول وتعددها في استعار هذه الحرب، التي لها تأثير واضح بلا شك على المتلقين وصناع القرار.

والأمر لا يقتصر على الجغرافيا المحيطة بسوريا، خاصة مع تصاعد الأزمة لتصبح عالمية وذات تأثير على أوروبا وأميركا وروسيا، فتأزم قضية اللاجئين وتأثيرها السلبي على أوروبا دفع بقصص خطر اللاجئين وإمكانية تسرب الإرهابيين بينهم، ومشكلة اندماجهم في المجتمع الأوروبي إلى السطح.

بل شكلت التفجيرات الأخيرة في بلجيكا وفرنسا وألمانيا، وكذلك أفعال أخرى سابقة كحادثة التحرش في ليلة رأس السنة في كولونيا بألمانيا، إثارة وصخباً في الإعلام العالمي، وبغض النظر عن حقيقة ما حدث ومن المتسبب في رأس السنة، فإن كثرة الروايات واختلاف تفاصيلها دليل واضح على انحياز وسائل الإعلام في إبراز ما حدث، كل على هواه، ودفع الجمهور لتصديق ما تريده الوسيلة الإعلامية أن يصدقه المتلقي، فالإعلام الداعم لليمين في ألمانيا، الذي كان ضد قرار ميركل في سياسة "الباب المفتوح" لاستقبال اللاجئين، استغل الحادثة لتشويه صورة اللاجئين، وتحميل الكل ما فعله البعض (بافتراض أن لاجئين سوريين هم من قاموا فعلاً بالتحرش)، ومحاسبة ميركل على سياستها، وبالتالي تقوية موقفهم الحزبي أمام العامة ووسائل الإعلام، في الواقع كان من الأفضل الانتظار حتى تظهر التحقيقات نتيجة ما حدث؛ حيث أشارت بعض التقارير إلى أن معظم المخالفين هم مهاجرون فعلاً، ولكن ليسوا سوريين وموجودين في ألمانيا قبل أحداث الثورة، لكن الوسائل الإعلامية لم تطق الانتظار وسال لعابها لاستغلال الحدث لملء الفراغ وحشد الرأي العام بما تريد أن يقرأوه أو يشاهدوه قبل أن تتضح الصورة.

ولما ضاق بعض الساسة في هذه الدول ذرعاً باللاجئين، قاموا بتوجيه آلاتهم الإعلامية لمحاربة سياسات دول مجاورة كدول الخليج تحديداً كانتقادهم عدم استقبال اللاجئين، الذي ردت عليه هذه الدول ببعض الأرقام والإجراءات بطرق مختلفة كالمنح الدراسية وتوفير الإقامة الدائمة أو الاستضافة والتبرع في مؤتمر المانحين، نفس الحال ينطبق إقليمياً على تركيا التي تتهمها الدول الأوروبية بشدة لتسهيل عبور اللاجئين وتتجاوز أحياناً بأن الحدود التركية تشهد تسرباً لمقاتلي داعش، متناسية أعداد اللاجئين الذين تم استقبالهم، ورغم توصل دول الاتحاد الأوروبي لاتفاق مع تركيا بشأن آلية لاستقبال وإعادة اللاجئين مقابل تسريع مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، فإن أحداث الانقلاب الأخير أثرت على التواصل في ظل انتقادات واتهامات متبادلة، بيد أنه لا يمكن غض النظر عن أن تركيا تضع المواجهة مع الأكراد أو على الطاولة عند أي قرار يتعلق بسوريا كتشكيل المنطقة العازلة على سبيل المثال.

أما على نطاق وسائل الإعلام العالمية، إذا تغاضينا عن الجدل الدائم حول الإعلام، وهل يجب أن يكون محايداً أو موضوعياً، فإن المساواة بين الأطراف المتقاتلة بغض النظر عن فداحة الأفعال غير مقبول في الأزمة السورية تحديداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم متفق عليها دولياً ينفذها "نظام" له تمثيل رسمي في الأمم المتحدة، ومع دخول داعش على الخط، تبعثرت كثير من الأوراق، خاصة مع ارتكابها أشنع الجرائم الإنسانية باسم الإسلام، ما دعا بعض تلك الوسائل الإعلامية بوضعها في خندق واحد مع جميع فرق المعارضة لاستخدام الكثير منها (المسمى الإسلامي)، الأزمة السورية لم تسلم حتى من السياسة الأميركية الداخلية، فبينما دعا أوباما العالم السوري رفاعي حمو لحضور خطاب حالة الاتحاد، لإظهار التعاطف إعلامياً في مرحلة ما، قام ترامب بالمقابل بالدعوة لمنع جميع المسلمين من دخول بلاده في حالة انتخابه، ولم يكتفِ فقط بالسوريين كجزء من سياسته التي يريد انتهاجها حال انتخابه.

الأزمة السورية معقدة، ولا يمكن إنكار صعوبة حلها مع تداخل الأطراف والدول فيها واحتدام الصراع، وميل ميزان القوى من فترة لأخرى من طرف لآخر، لكن كان يمكن في فترات معينة اختصار أمد الصراع بقرارات حازمة من الدول الكبرى، ومن خلال لعب وسائل الإعلام دورها الأساسي في نقل الصورة بحيادية دون إقحام مصالح الدول التي تدعم هذه القنوات، ويبقى الخاسر الأكبر في كل ما يحدث هو الشعب والمواطن السوري.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد