"حكى لي بعض الإخوان أن بعض المغفلين كان يقود حماراً فقال بعض الأذكياء لرفيق له: يمكنني أن آخذ هذا الحمار ولا يعلم هذا المغفل، قال: كيف تعمل ومقوده بيده؟
فتقدم فحل المقود وتركه في رأسه وقال لرفيقه: خذ الحمار واذهب، فأخذه، ومشى ذلك الرجل خلف المغفل والمقود في رأسه ساعة، ثم وقف فجذبه فما مشى، فالتفت فرآه، فقال: أين الحمار؟ فقال: أنا هو، قال: وكيف هذا؟ قال: كنت عاقاً لوالدتي فمسخت حماراً، ولي هذه المدة في خدمتك والآن قد رضيت عني أمي فعدت آدمياً، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكيف كنت أستخدمك وأنت آدمي! قال: قد كان ذلك، قال: فاذهب في دعة الله، فذهب، ومضى المغفل إلى بيته، فقال لزوجته: أعندك الخبر كان الأمر كذا وكذا وكنا نستخدم آدمياً ولا ندري، فبماذا نكفر وبماذا نتوب، فقالت: تصدق بما يمكن، قال: فبقي أياماً، ثم قالت له: إما شغلك المكاراة فاذهب واشترِ حماراً لتعمل عليه، فخرج إلى السوق فوجد حماره ينادَى عليه، فتقدم وجعل فمه في أذنه، وقال: يا مدبر عدت إلى عقوق أمك!!"، هكذا حكي ابن الجوزي تلك القصة في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين منذ أكثر من ثمانمائة عام، وكأنه يعبر عن حالة مرت بها قوى الثورة في خمس سنوات مضت عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.
فالجميع قاد الثورة في الميدان، فلم يكن هناك ولي ولا سلطان عليها، فكانت ثورة شعبية خالصة، ولكن كان في ظهورهم العسكر الذين خططوا فاستبدلوا تلك الثورة بخدع تكالب عليها الثوار.. حتى نجحوا، فورطوا الإسلاميين في النزاعات مع بقية قوى الثورة، ثم جعلوا تلك القوى مطية لعودة الجيش للحكم في الثالث من يوليو/تموز 2013.
ولنبدأ في تلك التدوينة مع أكبر قوى سياسة في مصر، وهي جماعة الإخوان المسلمين، التي برزت قوتها في تماسك ميدان التحرير إبان ثورة يناير، ولنا مع بقية القوى حديث لاحقاً.
الإخوان.. تلك القوى التي كان لها الباع الأكبر في المشاركة بالحياة السياسية، فخاضوا انتخابات البرلمان والمحليات إبان مبارك وكانوا نداً للحزب الوطني المنحل.
ولكن ما إن سقط مبارك.. رأى الإخوان أنه لا بد من التفكير فيما هو أكبر، فاستغل العسكر ذلك "الشغف الديمقراطي" الذي انتاب كل القوى الثورية ولم يكن الإخوان وحدهم، فخاضوا أول برلمان بعد الثورة..
بينما كان الطريق للرئاسة محفوفاً بعراقيل واختبارات ثورية للجميع.. خفق فيها الإخوان تارة وتارة نجحوا.. ولكن "الشغف الديمقراطي" للرئاسة صار شَرَك وضع الإخوان في مأزق.
فحملوا أوزار 60 عاماً من فساد العسكر ودولة عميقة فى كل قطاعات الدولة – بيد أن إبان حكم مبارك كان أشد معارك الإخوان السياسية، هي خوض انتخابات المحليات والمجالس النيابية – ليصدموا بأن المعارك السابقة لم تكن إلا "سرية" فى خضم غبار معارك طاحنة ستقابلهم.
وفى ظل ثقل مهمة الرئاسة على الإخوان.. كانت هناك قيادات "إخوانية" تخرج في الشاشات أو عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي تورطهم فى الأزمات، فيصير حديثهم وجبة شهية لإعلام الدولة العميقة.
تزيد الهوة بين مَن هم على سدة الحكم، وبين بقية الثورة وخلفهم المواطنون الذين يتجرعون أحاديث من إعلام الدولة العميقة ومن ورائه العسكر حتى امتلأت بطونهم، بينما وقف إعلام الإخوان تائهاً، يخاطب المواطن بمنطق النشرات الرسمية والحزبية دون تصحيح أو توضيح، فلا روح فيه ولا ريحان، ليسمح للآلة الإعلامية بأن تدهسهم.
دهس الآلة الإعلامية صار مخضباً بالدماء التي أزهقت في "رابعة" وميادين مصر، فكان ولا بد على رفقاء الميدان أن يعودوا من جديد، ولكن العودة استحالت، فأحالوا بين بعضهم البعض بالذكريات وخطابات الماضي التى تشهد تناحراً ولَّده "شغف ديمقراطي" بعد ثورة!.. فأضاع أحلام الرفقاء، فلا نالوا ديمقراطية ولا حققوا أهداف الثورة.
فالإخوان الغارقون في مشاكلهم التنظيمية التي لم تنتهِ بعد، ما زالوا بلا إعلام، وبلا وجوه تشبه في ثقلها السياسي القيادات المعتقلة، التي حملت على أكتافها قيادة الجماعة إبان حكم مبارك.
ولا ترى بعد 3 أعوام من حشد في الميادين إلا مسيرات هزيلة بعدد قليل من المحافظات، وبلا ظهير سياسي فى الخارج يشكل أداة ضغط على السيسي ورجاله من العسكر عند الغرب.
فتصير شوكة الإخوان مجرد "عود" هزيل لا يحرك مياه العسكر "العكرة" التي لطخت وجه مصر بالدماء والفقر.
فصارت مصر بين من يدافعون عن ما سمّوه أنصار الرئيس المنتخب "شرعية"، وما سمَّاه العسكر "إرهاباً محتملاً"، وبينما بقية قوى الثورة تراه "هراء".
وبين صراع المسميات وما يفرضه الواقع، صار شباب الثورة بين رحى حرب السياسة يدفع الثمن، فلا أصحاب الشرعية أعادوا رئيسهم، ولا بقية قوى الثورة أسقطت العسكر، بينما يبقى الجنرال مزهواً بقمعه للشعب وإذلاله.
فتحولت 3 أعوام من الانقلاب إلى مجرد صراعات بلا رؤية ومبادرات بلا تفاوض، وأفكار منزوعة الشعبية والثورية، فصار الجميع يسيرون فى دائرة سياسية مفرغة ويتساقط في الطريق منهم الشهداء والمعتقلون.
وأخيراً: أسأل من أتحدث إليهم فى تلك التدوينة من الإخوان، كم من دماء سقطت لديكم ومعتقلون، وتجارب انقلابات عايشتموها، أما آن لكم أن تعيدوا ترتيب أوراقكم مع الجميع، ولتسألوا أنفسكم: ماذا جنيتم من نصر فى أعوام انقلاب الثالث من يوليو حتى تتعلموا الدرس؟
ولي مع بقية قوى الثورة حديث يتبع.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.