عاجل: "خمس ضحايا من عائلة واحدة، بينهم ثلاثة أطفال وسيدة، جراء قصف الطيران الحربي السوري بلدة مديرا بمحافظة ريف دمشق، وارتفاع عدد القتلى جراء الغارات الروسية على حلب وريفها إلى 37 قتيلاً، و15 شخصاً لقوا مصرعهم في إدلب وريفها، فيما أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 12 شخصاً نتيجة القصف بالطيران الحربي على ريف حمص الشمالي، وكانت لجان التنسيق المحلية في سوريا قد وثّقت مقتل 120 شخصاً في أماكن متفرقة من البلاد"… لا أحد يهتم!
فمثل هذه الأخبار عن سوريا أصبحت اعتيادية ومألوفة لا تحرك أحاسيس ومشاعر الحكّام والحكومات، ولا توقظ الضمير العالمي من نومه في العسل، في ظل غياب التفاهم الدولي لإيجاد حل سياسي مع ارتفاع حصيلة القتلى يومياً إلى 120 شخصاً على أقل تقدير، وتحول السوريون إلى مجرد أرقام تظهر على الأشرطة الإخبارية لوسائل الإعلام، فقط لمعرفة وإحصاء عدد الذين لقوا حتفهم وارتقت أرواحهم إلى السماء، لا أكثر ولا أقل، نتيجة الصراع الدائر في سوريا منذ خمسة أعوام ونيّف.
أعداد القتلى في سوريا تحولت إلى بورصة تتغير مؤشراتها يومياً، وبحسب تغيُرها يأتي ضخ أقوال وتصريحات القوى العالمية العظمى لمعالجة أزمة الانخفاض الحاد في أسهم إنسانيتهم وضميرهم وأخلاقهم.
بعد كل مجزرة يرتكبها نظام الأسد، وبسبب ارتفاع أعداد القتلى المفاجئ وغير المسبوق في يوم واحد، تضخ الولايات المتحدة الأمريكية حزمة من الأقوال والتصريحات والخطابات الرنانة لحفظ ما تبقى من ماء وجهها، وكذلك تفعل كل من بريطانيا وفرنسا، هذا أكثر ما يتم تداوله في بورصة الدم السوري عالمياً.
قال الزعيم الشيوعي السوفياتي جوزيف ستالين ذات مرة: "إن موت شخص واحد يُعد كارثة، أما موت جماعة فهو مجرد إحصائية"، لكن هذه العبارة لا تنطبق على جميع سكان الكرة الأرضية في ظل السياسة العالمية الحالية التي يُصنف فيها المتوفى حسب جنسيته، فموت أمريكي أو إسرائيلي واحد يعادل وفاة أكثر من 200 شخص عربي أو إفريقي مهما كانت الأسباب التي أدت إلى الوفاة.. في ظل هذه المتغيرات التي فرضتها القوى العالمية العظمى، نستطيع القول: إن موت أمريكي واحد يعد كارثة ومأساة جسيمة، أما موت مئات العرب فهو يدخل في إطار الأرقام الإحصائية لإذاعتها في نشرات الأخبار فقط.
تُعرّف مفوضيات حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، "المجزرة" بأنها "قتل وتصفية 5 أشخاص أو أكثر في مكان محدد وعملية محددة لأفراد غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم". وحسب آخر الإحصاءات، فإن 5 أشخاص يلقون مصرعهم كل خمس ساعات في سوريا، أي إنه كل 300 دقيقة هناك مجزرة تحدث بحق السوريين الأبرياء، هذا بالإضافة إلى عشرات آلاف المصابين والمعتقلين والمفقودين وملايين من اللاجئين والنازحين تركوا خلفهم قصصاً مأساوية وبيوتاً مدمرة، فقط لأنهم عارضوا نظام الأسد وخرجوا مطالبين بالحرية والكرامة، فردّ عليهم بكل وحشية وعاقبهم عقاباً جماعياً ودمّر مناطق بعينها لمجرد معارضتها له.
يمضي الصيف ويحلّ الشتاء ولا شيء يتغير سوى أعداد الأرواح التي أزهقتها الحرب في سوريا، والضمير العالمي ما زال غائباً يغط في سُبات عميق، في ظل إصرار روسيا على الوقوف بجانب الديكتاتور، وفي صف السلاسل والقيود بدل وقوفها في صف الديمقراطية وحرية الشعوب. "السياسة لا تعرف إلا المصالح".. هذه العبارة تفرض نفسها بقوة على الثورة السورية، وتُلقي بظلالها حتى على أعداد القتلى الذين تحولوا إلى مجرد أرقام يُتاجر بها القريب قبل البعيد، فهناك فئة من المعارضين لنظام الأسد يتباكون على شاشات الفضائيات عند ارتفاع عدد الضحايا السوريين من أجل الحصول على الدعم والمال، وهم في الحقيقة يعيشون حياة الترف في فنادق غربية فخمة وأطفالهم في مأمن من طغيان وفتك نظام الأسد بالشعب السوري – هذا النظام الذي أصبح في الوقت الراهن عبارة عن عصابة تريد جرّ البلاد إلى بحر الظلمات، نظام يرى شعبه خدماً له، فهو بنظرته هذه ساقط لا محال، ولو بعد حين، مهما طال بقاؤه ومهما قتل من أبرياء، فالنصر دائما لإرادة الشعوب.
الشعب السوري وحده هو من يملك مفتاح الحل باعتباره المعيار الأسمى لأي حل في سوريا، ولن تتحقق الديمقراطية العميقة التي يصبو إليها السوريون إلا بتوحيد الكلمة والكفاح للتخلص من القيود والسلاسل التي رسمها حكم آل الأسد على أيديهم على مدار عقود من الزمن، ولن تُفلح المعارضة السورية طالما تربط مصير الثورة بأجندات خارجية لم تؤدِ في الحقيقة إلا إلى التفرقة وبعثرة الجهود، وقد تؤدي لاحقاً إلى زوال المعارضة وجعلها في مهب الريح، وستبقى أعداد القتلى عبارة عن بورصة ترتفع مؤشراتها وتنخفض على شاشات الفضائيات دون أن يتغير أي شيء على أرض الواقع، وستبقى رقاب الشعب السوري على حافة حد السكين حتى إشعار آخر.
أدركْنا أم لم ندرك، فدماؤنا رخيصة وأسهمها تهبط باستمرار في بورصة الدم العالمية.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.