مخيم رابعة وسنينه

كيف يجلس العازفون في الهواء الطلق مدّعين أنهم يُحيون ذكرى مجزرة كتلك التي انخلعت لها القلوب، ومن يومها لم ولن تعد إلى حيث كانت؟! كيف يتسنى لهم أن يتشدقوا بذكر شهيد أو مصاب أو معتقل وهم الذين غدوا بعيدين كل البعد عن معاناته ومأساته؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/04 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/04 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش

كيف يجلس العازفون في الهواء الطلق مدّعين أنهم يُحيون ذكرى مجزرة كتلك التي انخلعت لها القلوب، ومن يومها لم ولن تعد إلى حيث كانت؟! كيف يتسنى لهم أن يتشدقوا بذكر شهيد أو مصاب أو معتقل وهم الذين غدوا بعيدين كل البعد عن معاناته ومأساته؟!

في رابعة، كانت حرارة الشمس تلفح الوجوه كل صباح لتوقظ المعتصمين وتؤذن بقدوم فجر جديد من أيام النصر المنشود، الكل يتغنى ويرسم ويصور ويبتسم ويحلم وهو على يقين أن ثمة نسائم توشك أن تهل.. وإن غداً لناظره قريب.

قبل سويعات على مفترق الفجيعة، هاتفت صديقة لي وقلت لها إنني خائفة، الإشاعات تتردد بأن الاعتصام على موعد مع فضه، قلتها ولم أكن أعرف أن مجزرة تلوح في الأفق القريب، ردت يومها، وقالت: "نحن من تراب، حتى لو متنا سينبت الزهر فينا".

3 أعوام والكلمة لا تزال تدوّي في أذنيّ، 3 أعوام ونظرة الانكسار تتملك مني وأصارعها.. وأنتصر، تلك النظرة التي أراها في عين كل مَن فقد فقيده لكنه لا يُريها للظالمين.

كيف يجلس العازفون مدعين أنهم يحيون ذكرى مجزرة؟! وكيف يتسنى لهم التشدق بذكر الشهيد؟!

كان الشهيد جزءاً من هذا المشهد قبل أن يترجل من على فرسه ويرتقي إلى حيث لا يرانا ولا نراه، كان في الميدان يغني ويعزف وينشد "موطني"، ومن قبلها كان في التحرير، على نفس الأنغام يقول: "الفارس ينزل في الميدان".

ذلك الميدان احتضنه ورفاقه ومن شاطروه الحلم دون تمييز أو تفصيل، كانت تتربع الأرض وكان يوزع التمر، كانت تنظف الشوارع وكان يرش المياه ليبرد من حرارة الجو، كانت يطهو الطعام للمعتصمين وكان يقف في اللجان الشعبية لتأمين مداخل الميدان، كانت وكان.. وقدما معاً أرقى صورة رسمتها مصر في أعين العالم، ولم ينعتهم أحد من العارفين بالانحلال والانفتاح.

صحيح أن الحال تغير، وأن الدم نهش في أرواح من لا يزالون على قيد الحياة، لكنه لم يمنعهم من استرجاع ما كان يقولوه من قد سبقوا، وصحيح أن المكان لم يعد كالمكان؛ حيث الأرض الخضراء والطبيعية الساحرة، لكن مَن اقتسموا الذكرى لم يفرضوا أنفسهم على واقع المأساة، هؤلاء من بين الذين خرجوا من ديارهم -وهم ألوف- حذر التنكيل والاعتقال والاستهداف والتصفية الميدانية وهذا ما هدتهم إليه فكرتهم، فكرة تتلخص في أن من رحل كان بيننا بالأمس القريب، وأننا ما زالنا نذكره ونذكر تفاصيل يومه، نسترجع سيرته ونقتبس من نوره ونكمل ما بدأه، ولا ننكسر، ولا نستدعي الكربلائيات.

فكرة تصدر صوتاً علّ صداه يصل لمن ظن أن مَن هُجّر يعيش في ذكرى مأساة ستكون طي النسيان.

خُلقنا من تراب وحتى لو متنا وماتت أرواحنا مع مَن ماتوا… سينبت الزهر فينا.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد