حول الدعوة للمنافسة عبر الانتخابات

المطالبة والعمل على رفع اليد عن الدين والمؤسسات الدينية في الدولة كالأزهر ودار الإفتاء والكنيسة، ووضع كافة الضمانات الكفيلة باستقلال هذه المؤسسات عن السلطة التنفيذية وقيامها بأدوارها الدينية والاجتماعية دون تحيز للسلطة أو هيمنة عليها من السلطة، بجانب وضع الضمانات الكفيلة بعدم استغلال الدين لتحقيق أهداف حزبية .

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/01 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/01 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش

يكرر بعض الرموز العامة أخطاءهم دون أدنى تقدير لعواقب اختياراتهم غير المدروسة. فمنذ شهور بدأ موسم الاعتذارات عن 30 يونيو/حزيران، وسمعنا عدداً من الشخصيات تعترف بخطأ تقديرها للأمور أثناء الأحداث التي انتهت بالقضاء على المسار الديمقراطي والتمكين للثورة المضادة.

الاعتذار فضيلة ومطلوب من كل الذين خُدعوا (أو تآمروا)، لكن الاعتذار في مثل هذه الأمور التي أدت لمقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف وتقسيم المجتمع وإجهاض ثورة يناير/كانون الثاني، وبقية ثورات الربيع العربي وإقحام الجيش في صراع سياسي مدمر أمر يتطلب أموراً أخرى، منها على الأقل ترك المجال العام لجيل جديد تماماً، ومحاسبة مَن تورَّط في القتل والتحريض.

اليوم في منتصف عام 2016 يرى البعض أنه يمكن المنافسة فيما يسمى "الانتخابات الرئاسية" عام 2018، فهل قدّر أصحاب هذه الدعوة عواقبها؟ وهل يعرفون كيف تتغير أنظمة الحكم؟

عدم قابلية النظام للإصلاح

كنت قد كتبت سابقاً عن عدم قابلية النظام الحالي للإصلاح من الداخل استناداً إلى طبيعة النظام نفسه، فهو الذي أسند بقاءه على أساس الصراع الصفري مع خصومه، ولم تقف قبضته الأمنية الباطشة عند خصومه الإسلاميين كما كان يتصور البعض، وإنما امتدت إلى كل من لا يصطف مع النظام من الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء.

فضلاً عن أن النظام مستمر في سياساته الهادفة إلى السيطرة على كل مؤسسات الدولة من جيش وقضاء وإعلام ومؤسسات دينية واجتماعية ومجتمع مدني وجامعات، ويرفض إتاحة أي مساحة للمشاركة البناءة، ويستمر إعلامياً في تخوين كل من لا يؤيده، ويزرع يومياً اليأس والخوف والخرافات في نفوس الشباب والجماهير، بجانب قيامه بوضع منظومة قانونية تحمي الفساد، وفشله في الاقتصاد وإغراق البلاد في كمّ هائل من الديون.

هذه الأنظمة التي تعيش بالعنف والقمع لا يمكن إصلاحها من الداخل للأسف بسبب طبيعتها، ونظام مبارك الذي كان أقل قمعاً وتسلطاً من النظام الحالي لم تصلح معه كل محاولات الإصلاح الجزئي والتدريجي من الداخل بسبب سياساته واختياراته هو في المقام الأول؛ لينتهي الأمر بثورة شعبية عارمة.

هذا فضلاً عن أن هذه الأنظمة تشجع وجود منافسين لهم كديكور للديمقراطية المزيفة ولكسب بعض الشرعية الزائفة من الخارج، وخاصة من الدول الديمقراطية الغربية التي تعاملنا بازدواجية واضحة.


طبيعة هذه الأنظمة ذاتها تحدد طريقة التغيير التي تمر بها، وفي حالات الانتقال المماثلة كان مصير معظمها إما انقلاباً على الانقلاب أو ثورة عارمة أو حرباً أهلية أو غزواً خارجياً. وهذه كلها طرق عنيفة وقد تكون مدمرة.

والمطلوب هو أن يغير النظام (أو يُدفع دفعاً إلى تغيير) كل ما سبق حتى يمكن الحديث عن الإصلاح، وحتى يمكن إنقاذ الدولة والمجتمع والاقتصاد والجيش وبقية مؤسسات الدولة.

ولهذا على الجميع الانتباه جيداً، فإذا لم يتّحد الجميع ويتفقوا على مشروع وطني جامع لإنقاذ مصر بكل الطرق السلمية الممكنة، فإن الثمن الذي سيدفعه الجميع سيكون باهظاً جداً.


شروط النضال عبر الانتخابات

أما مَن يرى أن النضال ضد الأنظمة العسكرية والبوليسية ممكن عبر منافستها في الانتخابات فليرفع مطالب حقيقية (كما حدث في حالات أخرى) بدلاً من مجرد الدفع بأسماء للتنافس في ظل نفس المنظومة الأمنية والقانونية القائمة، أو بدلاً من تصور أن النظام يمكن أن يتغير من تلقاء نفسه.


وهذا يتطلب استيفاء المتطلبات الرئيسية لهذا التحرك بأن تكون هذه المطالب ضمن بديل متكامل يقوم على تكتل وطني ومشروع سياسي جامع.

وأهم هذه المطالب التي يمكن أن توفر الحد الأدنى من الأطر الدستورية والقانونية والسياسية اللازمة لإجراء انتخابات حقيقية:


أولاً: تغيير الإطار الدستوري والقانوني:

رفض الدستور الحالي والمطالبة بوضع دستور ديمقراطي حقيقي؛ لأنه (مثله مثل دستور 2012) يشرعن لهيمنة المؤسسة العسكرية على المؤسسات المنتخبة، ولأنه أيضاً يشرعن المحاكمات العسكرية، ولا يحتوي على ضمانات حقيقية لتمكين الشعب من التمتع بالحريات والحقوق، فضلاً عن المطالبة بتعديل المنظومة القانونية المرتبطة بالانتخابات والحريات السياسية، وإلغاء كافة القوانين المقيدة كقانون التظاهر وقانون الإرهاب والكيانات الإرهابية التي هي أسوأ من قوانين الطوارئ.


ثانياً: إنهاء تدخل الأمن في السياسة:

وقف هيمنة مؤسسات الأمن والمخابرات على الحياة السياسية والتدخل في الانتخابات، كما حدث فيا سُمّي "انتخابات البرلمان"، ومحاسبة كل المسؤولين عن التجاوزات التي تمت في كل ما سُمي مناسبات انتخابية منذ 2013، بدءاً من الاستفتاء على الدستور، مروراً بالانتخابات الرئاسية وانتهاءً بالبرلمانية. والمطالبة بإسقاط كل الأحكام المسيَّسة والإفراج عن كل المعتقلين ووقف عمليات التعذيب والاختفاء القسري وإلغاء قرارات المصادرة، ومحاسبة المسؤولين عن كل هذه الانتهاكات أمام نظام عدالة انتقالية مستقل تماماً عن السلطة التنفيذية والنظام القضائي، فضلاً عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإخراجها تماماً من المشهد السياسي، فلا يمكن أن تجري انتخابات في ظل قبضة أمنية باطشة ومحاكمات مسيَّسة وأجهزة لا تخضع لأدنى قدر من الشفافية والرقابة والمحاسبة.

ثالثاً: إنهاء تضليل الناس إعلامياً:

وقف هيمنة أجهزة الأمن على الإعلام الحكومي والخاص، وتقديم الأذرع الإعلامية ومَن يحركها من أجهزة الأمن للعدالة لمحاسبتهم عن كل الأكاذيب التي روّجت وعن عمليات التحريض والكراهية خلال السنوات الثلاث السابقة، وتشكيل هيئة من الخبراء المحايدين لإعادة هيكلة قطاع الإعلام ووضع كافة الآليات لضمان حيدته ونزاهته قبل وأثناء وبعد الانتخابات. فبغير هذا ستستمر عملية غسيل المخ والتضليل التي يتعرض لها الشعب، وسيستمر تزوير إرادة الناخبين ولن تكون هناك مساحات متساوية للمرشحين في وسائل الإعلام.


رابعاً: استقلال القضاء استقلالاً تاماً:

المطالبة والعمل على استقلال تام لمؤسسة القضاء عن السلطة التنفيذية، وكذلك استقلال كافة مؤسسات الرقابة الأخرى، ووضع كافة الضمانات اللازمة لوقف تسييس الأحكام من جهة، وكذا وقف تدخل القضاة في السياسة والصراعات الحزبية من جهة أخرى، فلا انتخابات بدون قضاء مستقل وأجهزة رقابة مستقلة.

خامساً: تحرير الدين:

المطالبة والعمل على رفع اليد عن الدين والمؤسسات الدينية في الدولة كالأزهر ودار الإفتاء والكنيسة، ووضع كافة الضمانات الكفيلة باستقلال هذه المؤسسات عن السلطة التنفيذية وقيامها بأدوارها الدينية والاجتماعية دون تحيز للسلطة أو هيمنة عليها من السلطة، بجانب وضع الضمانات الكفيلة بعدم استغلال الدين لتحقيق أهداف حزبية ووقف استخدام المشايخ ورجال الكنيسة لترويج الأكاذيب التي تدعم الممارسات القمعية وإخضاع الناس. فبغير هذا سيستمر استخدام الدين للتأثير في إرادة الناخبين في الانتخابات وستستمر سياسة محاربة الدين والمتدينين.

*****

لو تحققت هذه الأمور فإنها كفيلة بأن تحقق انتقالاً حقيقياً من أي نظام مطلق، وبدء مسار الانتقال إلى حكم مختلف تماماً يقوم على القانون ودولة المؤسسات والعدالة والشفافية. فهذه الأمور من أبجديات أي انتخابات حقيقية والمطالبة بالحد الأدنى الضروري منها قبل أي انتخابات قد تساعد في إنقاذ البلاد وإضعاف شرعية كل الممارسات القمعية، شريطة أن تتم -كما أشرتُ- ضمن استراتيجية واضحة الأهداف والوسائل والمراحل، والله أعلم.


هذه التدوينة نشرت في موقع البديل ..للإطلاع على النسخة الأصلية إضغط هنا

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد