النظام السوري ومعارضته.. وجهان لإجرام واحد! 3/3

إنها الشراكة في الفساد التي تعيدهم، وما يعيدهم أذلاء -أيضاً- يكمن في أن تهديداتهم بالاستقالة لم تكن -ولو لمرة واحدة- من أجل مواقف واختلافات تتعلق بثورة الشعب السوري الحر، إنما هي اختلافات على مكاسب شخصية، ومواقع وظيفية مدفوعة الأجر، ومناصب يعتقدونها تاريخية، أراد الأقوى بينهم سحبها منهم في لحظة غضب!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/31 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/31 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش

"كل ما دق الكوز بالجرة" يطلع علينا أحد أعضاء الائتلاف معلناً استقالته، مهدداً بكشف المستور، وبعد ساعات "يلحس" الاستقالة ويتراجع عنها، رغم أن أسبابها باقية لم تتغير.

وصل الأمر -أحياناً- إلى درجة تقديم استقالات جماعية ثم يتم لحسها جماعياً، فكم من مرة استقال ميشيل كيلو وسهير أتاسي (أحصيت خمس استقالات تم لحسها والتراجع عنها لكل واحد منهما وبعضها منشور في الصحف)، وشلة ما يسمى المنشقين من العاملين في الدولة استقالوا وهددوا بكشف المستور، لكنهم ما إن تلقوا تهديداً بكشف المستور المعاكس، حتى عادوا عن استقالاتهم محلوقي الرأس، متناسين تهديداتهم واستقالاتهم، صاغرين خانعين مستمرين في صمتهم على الفساد، قانعين بلحسة منه، لا نعلم مقدارها!

إنها الشراكة في الفساد التي تعيدهم، وما يعيدهم أذلاء -أيضاً- يكمن في أن تهديداتهم بالاستقالة لم تكن -ولو لمرة واحدة- من أجل مواقف واختلافات تتعلق بثورة الشعب السوري الحر، إنما هي اختلافات على مكاسب شخصية، ومواقع وظيفية مدفوعة الأجر، ومناصب يعتقدونها تاريخية، أراد الأقوى بينهم سحبها منهم في لحظة غضب!

هذه الوضعية المشينة، التي لا تليق بجلد حمزة الخطيب المسلوخ، ولا بثورة قدمت مئات آلاف الشهداء والمعتقلين وملايين المهجرين، من أجل حريتها وكرامتها. وفي ظل هذه الولدنات السياسية، انعدم العمل المؤسسي في الائتلاف، وانحصر القرار السياسي والإداري بـ"عصابة العشرة" الحاكمة بأوامر المال وأولي الأمر في أجهزة المخابرات في العالم، والتي صارت وصية على الثورة، متحكمة في قرارها السياسي والعسكري، بل وحتى في غرف نوم البعض منهم!

أبرز تجليات انعدام العمل المؤسسي تظهر في الجانب الإعلامي وفي بنية المكتب الإعلامي في الائتلاف.

منذ تأسيسه أنيطت مهمة إدارة المكتب الإعلامي في الائتلاف إلى صبي مدلل جاهل لا علاقة له بالإعلام، ولا يعرف شيئاً عن سوريا التي غادرها طفلاً رضيعاً، لكنه مدعوم من جهة نافذة في الائتلاف، ومن يومها وعمل هذا المكتب يقتصر على موقع إلكتروني ينقصه الاحتراف وصفحة فيسبوكية، مهمتهما الأساسية نشر بيانات الائتلاف، والإدلاء بتصريحات إنشائية لا تأتي بجديد، وإقامة ندوات وورشات لا قيمة لها كلما احتاجوا تغطية "للهط" مبالغ جديدة، مبعدين عشرات الصحفيين السوريين المحترفين، الذين أعلنوا انحيازهم المبكر للثورة، ودفعوا ثمن هذا الانحياز في المعتقلات التي خرجوا منها إلى دول اللجوء.

طبعاً رواتب هذا الجيش الإعلامي تبدأ من ألفي دولار حتى تصل إلى عشرة آلاف، وذلك حسب رضى المسؤول الذي تم "تطويب المكتب الإعلامي" باسمه، أو حسب درجة وحجم الواسطة التي جاءت به، وقد تجاوز عدد العاملين في هذا المكتب في مرحلة من المراحل السبعين شخصاً، وكانت قمة فضائح أدائهم الإعلامي السطحي أيام انعقاد مؤتمر جنيف 2 التي يحتاج الحديث عنها إلى ملحق خاص سنأتي عليه لاحقاً!

لم يستطع هذا المكتب الإعلامي رغم كل التسهيلات التي تقدمها تركيا لإعلام الثورة، وأبرزها حرية التحرك والنشر، ورغم ملايين الدولارات التي صرفها، تأسيس جريدة ورقية تكون مرجعاً موثوقاً لكل من يرد معرفة حقيقة إجرام النظام، ولا محطة إذاعية تخاطب الرأي العام، ولا قناة تلفزيونية تنقل الصورة الحقيقية عن تدمير سوريا وقتل المدنيين، لهذا بقي إعلام الثورة رهينة لدى القنوات التلفزيونية التي تصور ما يجري كل حسب أجندتها، ومرتهنا لمجموعة "فتوات ومراهقين وأميين" استخدمتهم أجهزة مخابرات العالم، وأسست لهم منصات إعلامية ومحطات إذاعية ترى الدم السوري بعيون مشغليها!

الفضيحة الثانية المتعلقة بالفساد المستشري في المعارضة التي سرقت تمثيل السوريين، يتجلى في أبهى صوره في هيئة الدعم والإغاثة، التي كثرت الأحاديث عن فسادها الذي لم تستطع تغطيته عندما استعانت بمكتب محاسبة ادعت أنه دولي، ورغم أن الهيئة حددت آلية عمل هذا المكتب، بما يشتهي القائمون على الإغاثة، فإنه انتهى إلى الإشارة إلى ضياع نحو مليون دولار، لم نسمع حتى الساعة أنه تم استعادتها!

الإشكالية الأساس في موضوع التنطع للإغاثة، أنهم ساهموا في تبرير ابتعاد الامم المتحدة بمختلف هيئاتها عن تسلم زمام العمل الإغاثي، الذي هو من صلب أعمالها، لأنها الأقدر على إيصالها، بحكم أنها تمتلك حرية الحركة في المناطق المسيطر عليها من مختلف الأطراف المتنازعة.

المرتع الآخر لتعميم الفساد في المعارضة السورية، وجعله أمراً طبيعياً، وليس هناك من يحاسب عليه، يتجلى في فكرة الإعلان عن حكومة مؤقتة، لم تستطع رغم كل الدعم الذي تلقته، إنجاز ما يفيد السوريين، إلا بالحدود الدنيا، وبأسوأ المواصفات، ودون أي تخطيط.

الأمر نفسه ينسحب على هذه الحكومة من حيث كم الفساد الذي ظهر فيها، والذي يبدأ من الرواتب الفلكية التي تقاضاها أعضاء الحكومة، وصولاً إلى تجاهلها المعلن لمعاناة السوريين في الداخل وفي دول الشتات.

الرسالة التالية تُلخص معاناة السوريين الهاربين من جحيم براميل الأسد المجرم، ومن طرف آخر تؤكد أن هيئة الإغاثة والحكومة في واد، والشعب السوري الذي يعاني الويلات في واد آخر، خاصة إذا ما تذكرنا أن الحكومة وهيئة الإغاثة مقرهما لا يبعد إلا أمتاراً عن منزل هذه السيدة السورية التي نشرت رسالتها في وسائل التواصل الاجتماعي:

– يا إخواني أنا مقيمة بعنتاب ولازمني شغل لأنو شغلي هالأسبوع رح يوقف بدي منكون تساعدوني ألاقي شغل مرتب وأنا بعرف أحكي تركي بشكل ممتاز وساكنة بالتشارشي فأرجو المساعدة منكون لحتى ألاقي شغل قريب من بيتي.

عندما تم تحرير الرقة من نظام الأسد المجرم، وعاش الرقيون أشهراً معدودة من الحرية، وكان يومها هيتو مكلفاً بتشكيل الحكومة المؤقتة، رفع الرقيون شعار: "حررناها .. اتفضل يا هيتو"، وقرنوه بنداءات للائتلاف ومعاذ الخطيب تدعوهم للمجيء إلى الرقة، والعمل انطلاقاً منها، وتكفلوا بتجهيز مكاتبهم، وتأمين سكنهم الآمن، ومع ذلك سد الائتلاف ومعاذ الخطيب آذانهم بالطين والعجين، مفضلين ترف فنادق إسطنبول، مما ترك الرقة تحت رحمة الكتائب المتصارعة وأمراء الحرب، الذين طردتهم داعش، لاحقاً بعد تلقيها الدعم الكبير من سليم إدريس، عندما سهل لها الاستيلاء على مخازن سلاح الجيش الحر الكبيرة في المناطق الحدودية!

ما العمل؟!
لنعترف أنه مع تعقد الأوضاع في سوريا، وكثرة اللاعبين وأجنداتهم، صار صعباً اقتراح الحلول الشاملة، لكن في كل الأحوال لا يمكن الاستمرار مع تصدر هكذا معارضة فاسدة، والخطوة الأولى تبدأ بتقديمهم، مثلما المجرم بشار الأسد، إلى محاكم دولية مختصة، والعمل على استبدال هذه الأجسام المهترئة بجسم سياسي يختاره السوريون، من خلال اختيار كل منطقة في سورية -حسب حجمها- لممثليها إلى مؤتمر وطني جامع، لا يلتفت إلى دعاوى تصنيف السوريين إلى طوائف ومذاهب، ويعتمد مبدأ اختيار الرجل المناسب، بدل ممثلي الطوائف، ويقرن هذا الاختيار بتوحد ما تبقى من شرفاء في الكتائب والفصائل، في فصيل عسكري وطني واحد وغرفة عمليات واحدة ترى سوريا من أقصاها إلى أقصاها وحدة إدارية واحدة غير قابلة للتقسيم. ويكون هذا الفصيل غير مرتهن في قراراته بغرف مخابرات العالم كما هو الوضع الآن.

بعد ذلك تتم الدعوة إلى مؤتمر وطني يتم عقده في أي بقعة محررة في الداخل ويكون عمله في الداخل، وبدوره ينتخب قيادة سياسية تقود البلاد، ولا مهمة أمامها إلا الخلاص من نظام الإجرام الذي يقوده بشار الأسد، وعندها سوف ترون العالم يركض خلفكم، طارداً هذه الأوساخ التي اعترفت أنها لا حول لها ولا قوة، وسلمت قرارها للآخر.

هل نستطيع تحقيق ذلك؟

نعم نستطيع.. لقد أثبت السوريون أنهم شعب المعجزات، ومهما تنوعت الحلول المطروحة، فإن تجارب السنوات الماضية أثبتت أنه لا يمكن لغير السوريين الخلاص من هذا الإجرام، وأنهم حين بدأوا ثورتهم لاستعادة حريتهم وكرامتهم كانوا يعرفون قذارة النظام وإجرامه، ويعرفون أنهم وحيدون.

أخيراً.. تقصدت بساطة الكلام وعفويته، بعيداً عن استعراضات المحللين، محاولة مني لإثارة نقاش جدي، بعيد عن الاتهامات السخيفة التي أتوقعها.. نقاش الحجة بالحجة، وعندها يمكن أن ندخل بالتفاصيل والأرقام والأسماء.. فالمجرمون لهم أسماء وجرائمهم موصوفة بالأرقام!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد