الدولة مهددة بالانهيار، التعليم فيها أصبح ضعيفاً والمقررات تحتاج إلى مراجعة وإعادة تقييم لتواكب عصر التكنولوجيا والمعلومات، ولى وأدبر زمن (أكلت زينب التفاحة)، لأن زينب الآن تأكل الشيز بورجر مع المورتديلا وصوص التارتار والفرنش فرايس وتمسك بالآيباد وتشرب اللاتيه بالكريمة، تسود حالة عامة من الضعف في القطاع التعليمي على مستوى طلبة المدارس تنم عن الحاجة الماسة إلى حلول سريعة لتطوير المناهج والتوجه بتلك المناهج إلى الأمام، لتسير جنباً إلى جنب مع التطور السريع والمستمر الذي نعيشه، بدأت الشكاوى ترد إلى كل القطاعات التعليمية بالدولة.
وبدأت الدولة نفسها تعاني من المستويات التعليمية المتدنية للطلبة التي تؤثر عليها سلباً، إذ إن الطلبة والطالبات عماد المستقبل، منهم من سيكون الموظف والمدير والمسؤول والوزير، بمناسبة الوزير فقد قرر وزير التعليم عقد اجتماع طارئ للاطلاع على تلك المشكلة، فهذا أمر لا ينبغي السكوت عنه مطلقاً، عقد الاجتماع مع معالي الوزير وتداول الجميع الموضوع من جميع جوانبه، وأدلى كل منهم بدلوه:
وزير التعليم: أنتم تعلمون حجم المشكلة وصعوبة الموقف الذي نحن فيه الآن، نريد اتخاذ خطوات لحل تلك الأزمة وتجاوزها، فالوزارة لا بد أن تقدم كل إمكانياتها للحد من ظاهرة الانفلات التعليمي وتدني مستواه، أنا لن أسكت عن ذلك، وما يحدث مهزلة بكل المعايير، كل مقصر سيحاسب.
وكيل الوزارة: بالتأكيد معالي الوزير، نحن رهن توجيهاتك فأنت على اطلاع كامل بالمشكلة، وتستطيع برجاحة عقلك إيجاد الحلول المناسبة، معاليكم قدوة لنا، تعليمات معاليك أوامر.
مدير المناهج: معالي الوزير، كل شيء تحت السيطرة، ونحن نعمل على مدار الساعة ونطور دائماً في المناهج بما يتناسب مع المرحلة الحالية والرؤية المستقبلية، وذلك بناء على توجيهات معاليك، ليس هناك من مشكلة إطلاقاً.
مدير إدارة التعليم: لو سمح لي معاليك بأن أطرح موضوع إنشاء عقوبات رادعة للمعلمين والمعلمات، فأنت تعلم أن التسيب وما وصل إليه الحال هو نتيجة سوء أخلاق بعض المعلمين وعدم التزامهم بواجبهم نحو الطلبة، هذه الفوضى باتت أمراً واضحاً للعيان ومعاليك ترفض مثل هذه الأمور وتحاربها.
المدير الفلاني: (كلام فارغ مجرد مع تملق).
المدير العلاني: (تملق مع مجرد كلام فارغ).
الوزير: حسناً فلتعقد لجنة استشارية برئاسة فلان الفلاني مع إشراك المؤسسات المعنية بالتعليم والجهات الاستشارية لكي تدرس الموضوع من جميع جوانبه، على أن تقدم لنا تقريراً مفصلاً، وسيتم تحديد جلسة للمناقشة وتقرير ما يمكن تقريره بناء على نتائج هذا التقرير، وما الذي يجب علينا فعله حيال ذلك، التعليم أهم قطاع في الدولة وأنتم تعلمون ذلك جيداً، وأنا لا أسمح أن يقال على وزارتي كلمة واحدة فما يمس الوزارة يمسني شخصياً.
جميع الحضور: (وصلات من النفاق والتملق لسيادة الوزير معظمها يشيد بعقليته الفذة ورؤيته البعيدة للأمور وكيف أنه مبدع في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول المناسبة).
بدأت اللجنة عملها بشكل سريع، فالأمر لا يحتمل التأخير، وزير التعليم قد شدد على ضرورة إنهاء البحث ودراسة الحالة بأسرع ما يمكن ويتابع هذا الأمر شخصياً، اللجنة انبثقت منها لجان فرعية واللجان الفرعية انبثق منها لجان أخرى، الكل يدرس ويراقب ويسجل ويتأمل ويسأل ويستفسر ويراجع ويطلع…. بالطبع تم اعتماد ملايين الدولارات على ذلك فنحن نتحدث عن التعليم، والأمر يستحق، اجتماعات تنعقد بين الفينة والأخرى بين أعضاء هذه اللجان، التملق هو السمة العامة، الصغير يتملق من يكبره فهذا شأن لا غنى عنه في مجتمعاتنا، بعد عدة شهور تقرر عقد اجتماع مع معالي الوزير لكي يطلع معاليه على المستجدات حول الموضوع، بدء اللقاء المهيب، الوزير وكل المعنيين بالأمر وأمين اللجنة يسجل النقاط المطروحة والآراء.
فتحت الجلسة
الوزير: أعتقد أنكم قد وجدتم المشكلة وتم تقييمها أليس كذلك؟
وكيل الوزارة: نعم معاليك والأستاذ فلان الفلاني أعد لمعاليكم هذا التقرير، بالطبع كلنا عملنا بجد واجتهاد ودرسنا كل شيء بكل حرص وأمانة.
مدير إدارة التعليم: معالي الوزير، هناك عدة أمور تم استنباطها، وهي من أسس مشكلة التعليم في البلاد، أولاها عدم وجود الأجواء المناسبة للتعليم، ومعظم المدارس مستأجرة وغير مهيأة للتعليم وتعتبر بيئة غير ملائمة من كل النواحي، سواء القدرة على التحصيل العلمي أو النواحي الصحية، تكدس الطلبة وارتفاع درجات الحرارة أمر يجعل من التعلم أمراً صعباً، سواء على مستوى الطلبة أو على مستوى المعلمين، الأمر الثاني هو أن المناهج التعليمية تفتقر إلى بعض المواضيع التي تمس حياتنا الواقعية الفعلية، المواد الخاصة بعلوم الحاسب قليلة على سبيل المثال، كما أن معظم المناهج لا تركز على التقدم الحضاري، وكيفية تهيئة الطلبة للمراحل المستقبلية والاستقراء.
المستشار التعليمي: أضف إلى ذلك معاليك أن معظم المدارس تفتقر إلى الأجهزة والمعدات الحديثة التي تسمح للطلبة التعلم الذكي، كما أننا وجدنا أن الحالة الراهنة تستدعي إنشاء معامل حديثة، لأننا الآن في مرحلة التعلم بالتجربة، وليس بالتلقي، كما كان التعليم في العهود السابقة.
مدير مدرسة: معالي الوزير، نحن في المدارس نسير بخطى ثابتة وواضحة ونتبع تعليمات معاليكم، المشكلة أن هناك بعض السلبيات في الطلبة أنفسهم، فكثير منهم يرفض مبدأ التعلم، البعض يريد الوصول لأعلى المراكز دون تعليم، وهذا ما نحاول علاجه ما عدا ذلك فكل شيء على ما يرام.
مدير مدرسة آخر: معاليكم لو سمحت لي بطرح ما لديّ؟
الوزير: أعتقد أننا هنا لمناقشة موضوع هام، والجميع لا بد أن يشارك في إيجاد حلول لهذه المشكلة، أنا ديمقراطي ولا أحب اتخاذ القرارات بمفردي، للجميع الحق في التحدث، تفضل أطلعنا على ما لديك.
مدير المدرسة: في التعليم نحن نتبع سياسة الصندوق، بمعنى أننا نتعامل مع الجميع بشكل موحد وبصورة واحدة مع اختلاف فئات الطلبة واختلاف مقوماتهم وقدراتهم الاستيعابية، معاليكم يعلم أن هناك أنظمة تمثيلية لكل إنسان وقدرات، ولا بد علينا أخذها بعين الاعتبار حتى نوصل المعلومة للجميع، مستوى الطلبة تتعاون فيه المدرسة مع الأسرة، وهذا أمر لا بد من أخذه بعين الاعتبار، فلا بد من مشاركة الأسرة بشكل فعلي في العملية التعليمية، وألا نكتفي بمجالس الآباء والأمهات.
الوزير: هل لدى أحد منكم تفاصيل أخرى حول الموضوع؟
الجميع: لا معاليك.
الوزير: حسناً، جميل جداً ما قمتم به من جهود وأشكركم جميعاً على اهتمامكم بالمسألة، كما أشكر اللجنة الاستشارية، ولكنني لم أجد منكم من تحدث عن الانتماء، أنتم تعلمون أن انتماء الطلبة للدولة هو ما يرفع من مستويات التعلم لديهم.
ولنوضح هذه النقطة أنا على سبيل المثال أنتمي لهذه الوزارة، فبالتالي سأفعل كل ما في وسعي للرقي بها، والحرص على أن تكون من أفضل الوزارات؛ لذا وبناء على ما تم طرحه ومناقشته قررنا ما يلي:
أولاً: تغيير الزي المدرسي للطلبة بحيث يكون الزي موحداً بلون علم الدولة، فالعلم هو الرمز الذي نعيش من أجله.
ثانياً: الإشادة بمجهود المديرين والمدرسين وكل الإداريين والعاملين بالوزارة وضرورة إقامة حفل تكريم لهم فهذا واجبنا نحوهم.
ثالثاً: شراء بعض الأجهزة والمعدات الحديثة من الشركة الفلانية (شركة يمتلكها زوج ابنة معاليه).
رابعاً: عقد لجان لتطوير المناهج التعليمية.
خامساً: بناء مدارس حديثة تليق بالدولة وتوفر الأجواء المناسبة للعملية التعليمية.
سادساً: إعفاء مدير إدارة التعليم من منصبه لازدرائه العملية التعليمية.
سابعاً: التحقيق مع مدير المدرسة حول نياته فيما ذكر، مع الأخذ بعين الاعتبار موضوع الصندوق وهل هو خاص بالدولة أم لا.
ثامناً: نظراً للظروف الحالية وما تمر به البلاد وعدم توافر الإمكانات المادية للبنود: الثاني والرابع والخامس، فسنكتفي باعتماد البنود الأخرى على أن يراعى اعتماد باقي البنود مستقبلاً، بحسب ما تقتضيه الحاجة، أشكركم جميعاً.
الجميع: (تصفيق وتهليل وإشادة بهذه العقلية الفذة وهذه الرؤية التي لا يقدر عليها سواه).
بعد سنتين من التنفيذ انتشرت تجربة الزي الموحد بلون علم الدولة، واكتسحت العالم وكان لها التأثير الأكبر في تغيير المسار التعليمي العالمي عملاً بالحكمة التي تقول: (ارتدِ علماً تبنِ أمماً)، ما رأيكم بهذا الوزير؟
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.