معضلة المعارضة أبعد من “التقصير”

في وضع كهذا لا يمكن بأي حال البحث عن الترقيع والإصلاح أو تفادي تقصير هنا وخطأ هناك؛ لأن المشهد تجاوز ذلك الى حالة ضرورة القيام بعملية جذرية بالعمق تطال التنظيم والفكر والقيادة والموقف السياسي، ولن يتم ذلك بحسب التجارب والخبرة المتراكمة إلا بتشكيل لجنة تحضيرية معبرة من حيث المبدأ عن مختلف مكونات سوريا وتياراتها الوطنية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/26 الساعة 04:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/26 الساعة 04:35 بتوقيت غرينتش

يكاد لا يمر يوم من دون مساهمات فكرية وثقافية وسياسية نقدية من جانب الوطنيين السوريين الحريصين على ثورتهم، وكل بطريقته، حول تقييم أداء المعارضة، وتسليط الضوء على مكامن الخلل، وأسباب الإخفاقات المتتالية، والدعوة إلى تلافيها، ومن الملاحظ أن معظم مَن تناول الموضوع حتى الآن، إن لم نقل كلهم، وبكل أسف، لم يلمس لب المسألة، واعتبر بعد سرد طويل ومتشعب لمسيرة المعارضة منذ نحو خمسة أعوام أن ما يجري هو نوع من "التقصير"، بمعنى أنه يمكن تلافيه ببساطة إما بتلافي الأخطاء أو تبديل مَن بيده الإدارة والقرار، من دون تشخيص الجهة أو الكتلة المسؤولة عما جرى ويجري، أو الآلية الكفيلة بتفادي "التقصير" وإجراء التبديل المنشود بالعمق والبرنامج السياسي المطلوب لذلك.

إن أي تناول نقدي جاد لواقع "المعارضة" بغية التوصل إلى بديل عملي على أرض الواقع في هذه المرحلة بالذات، يجب وبالضرورة أن يبدأ بمقدمة موضوعية سليمة؛ ليخرج بنتائج صحيحة، وأن يتوخى الصدق والصراحة من دون مجاملات حول أسباب ومسببي الإخفاق والفشل، فالأمانة التاريخية تضع على عاتق المحلل النقدي مسؤولية التمييز بين صيرورة الثورة وظهور المعارضة، فالأولى كانت بالبداية كتعبير عن الإرادة الشعبية الأصيلة (المدنية والعسكرية) بكل أهدافها وشعاراتها المعروفة، والثانية كانت محاولات (حزبوية – أيديولوجية – فئوية) ملحقة بأطراف إقليمية داعمة مارست التسلق والاستثمار وركوب الموجة وتحولت إلى مشكلة.

أصالة وتاريخية الثورة على ضوء أهدافها في إسقاط الاستبداد والتغيير الديمقراطي وإعادة بناء سوريا الجديدة واضحة بارتباطها الوثيق بتراث ونضالات الحركة الوطنية الديمقراطية السورية التي لم تهدأ منذ ما قبل الاستقلال وواقعيتها الدينامية ظهرت عندما شكلت رافداً لموجات ثورات الربيع التي عمت منطقتنا كظاهرة شعبية تاريخية تنشد الحرية والكرامة والتغيير، أما الإشكالية التي حصلت على الأقل في تجربتنا السورية فهي استغلال "التيارات التقليدية الأيديولوجية" للطابع العفوي للموجة هذه، ولافتقار الفئات الشبابية التي قادت التظاهرات الاحتجاجية للخبرة والحنكة السياسية، وبدلاً من دعم تنسيقيات الشباب والحراك الثوري الجديد وتشكيلات الجيش الحر الملتحقة بصفوف الشعب، قامت تلك الأطراف، وخصوصاً تنظيم "الإخوان المسلمين" بالالتفاف وقطع الطريق على الثوار والتسلط على المقدرات.

منذ مارس/آذار 2011 وبعد أن عمت التظاهرات كل سوريا، وبعد أن اكتملت صورة الانتفاضة الشعبية، وانتقلت إلى واقع الثورة الوطنية ذات الآفاق الديمقراطية بتلاحم الحراك الوطني الثوري العام مع مقاومي الجيش الحر، كانت الأحزاب السورية بكل تلاوينها منهكة ومخترقة وعاجزة حتى عن كتابة بيان، وتفاجأت بموجة ثورات الربيع، وأخذت على حين غرة بالانتفاضة في بلادنا، ولم تتعامل مع الواقع الثوري الجديد إلا بعد نحو عام من الخلاص من هول الصدمة، في مثل هذا الوضع المشخص كانت اندفاعتها نحو الثورة عامل شؤم، وانعكست عليها تقهقراً وتشرذماً وتحريفاً؛ حيث يتم دفع الثمن الآن سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً.

من حيث الجوهر، كانت الحركة الوطنية السورية التاريخية التي جاءت الثورة امتداداً لقيمها علمانية منسجمة مع واقع المجتمع السوري المتعدد الأقوام والأديان والمذاهب، قبل أن تحاول حركة الإخوان، بالتعاون مع التيارات القومية وبعض الأفراد (الليبراليين) الباحثين عن مصالح خاصة، العبث بتلك الأسس المبدئية وتحريف الثورة عن خط سيرها، فكنت شاهداً عندما عقد اجتماع بين ممثلين عن تنسيقيات وتيارات وشخصيات وطنية وبمشاركة ممثل "الإخوان السيد ملهم الدروبي" في القاهرة أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 من أجل الاتفاق على عقد مؤتمر وطني عبر لجنة تحضيرية وتشكيل جسم معارض ببرنامج متوافق عليه يكون في خدمة الثورة وليس ممثلاً لها، وكيف أن "الدروبي" خالف عهده وطار إلى إسطنبول ثم تم الإعلان عن (المجلس الوطني) بمعزل عن باقي الأطراف، وتحت تحكم الإسلام السياسي.

لست أبالغ إن أكدت مرة أخرى أنه ومنذ الإعلان عن ذلك المجلس الذي انتهى من دون أن يعلم السوريون لماذا، ومن بعده الائتلاف الذي ظهر وبدأ بالتلاشي، وأيضاً من دون معرفة أحد بالأسباب والخفايا، بأن هناك فعلاً وعلى أرض الواقع (كياناً موازياً سرياً) ضمن المعارضة والثورة مهمته حرف الثورة عن أهدافها وإذلال وإبعاد الجيش الحر، وتجاهل كل الوطنيين والمناضلين الصادقين، وخصوصاً من ناشطي الشباب والمجتمع المدني والعلمانيين، وفتح الأبواب للانتهازيين المجاملين الذين شبع بعضهم إلى حد التخمة من رقيب أو حسيب ولأفواج الوافدين من مؤسسات النظام الذين يجب الترحيب بهم ولكن ليس تسليمهم تقرير مصير السوريين .

في وضع كهذا لا يمكن بأي حال البحث عن الترقيع والإصلاح أو تفادي تقصير هنا وخطأ هناك؛ لأن المشهد تجاوز ذلك الى حالة ضرورة القيام بعملية جذرية بالعمق تطال التنظيم والفكر والقيادة والموقف السياسي، ولن يتم ذلك بحسب التجارب والخبرة المتراكمة إلا بتشكيل لجنة تحضيرية معبرة من حيث المبدأ عن مختلف مكونات سوريا وتياراتها الوطنية، والإعداد لعقد المؤتمر الوطني السوري العام والشامل والخروج بمجلس سياسي – عسكري لمواجهة كل التحديات، وفي مقدمتها إعادة تعزيز الوحدة الوطنية، وهيكلة قوى الثورة وتشكيلات الجيش الحر، وصياغة البرنامج المعبر عن سوريا الجديدة التشاركية التعددية الموحدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد