دوافع الانقلاب على أردوغان وأسباب فشله

لقد أثبت الشعب التركي بكل مكوناته وقياداته وقواه الحيّة وأحزابه السياسية أنه يستطيع الوقوف أمام محاولات الانقضاض على الديمقراطية، وحماية مؤسسات الدولة من الانقلابيين، وعلى ذلك يجب على القيادة التركية اغتنام هذه الفرصة، لتحقيق المصالحة الوطنية بين القوى السياسية، للوقوف صفاً واحداً في مواجهة التحديات التي تواجه تركيا في المرحلة القادمة، والاستفادة من الإجماع الشعبي والسياسي الذي يرفض مثل هذه المحاولات الانقلابية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/20 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/20 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش

لا شك أن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا يوم الجمعة الموافق 15 يوليو/تموز 2016 شكلت صدمة للنظام الحاكم في تركيا في بداية الأمر، ووضعت العالم على خطوط المتابعة الساخنة، لأنه ليس انقلاباً عادياً، وأن هزاته الارتدادية إذا اكتمل ستكون واسعة، لتشمل الساحة الإقليمية والدولية، إذ إن تركيا دولة أطلسية، ولاعب إقليمي كبير، في منطقة مشتعلة، فتركيا لا يمكن التعامل معها كدولة مغلقة، وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي وعمقها التاريخي وارتباطها الوثيق بمحيطها وبتحالفاتها السياسية والعسكرية التي جعلت منها قاعدة أساسية ومتقدمة لحلف الأطلسي.

وهذه المحاولة الانقلابية لها أسبابها ودوافعها التي تنحصر في عدة أمور، منها:

أولاً: توجه النظام الحاكم الحالي في تركيا صاحب الخلفية الإسلامية، ومحاولته الحفاظ على الحد الأدنى من المظاهر الإسلامية، ومع ذلك أزعج الغرب بشكل واضح في الفترة الأخيرة، مع العلم أنهم في البداية أظهروا دعمهم للتجربة التي لا تتعارض مع العلمانية ولا تصطدم بها.

ثانياً: النجاحات المتتالية للحزب الحاكم على مدار 13 عاماً حكم فيها، واكتسب ثقة الشعب التركي في مجمله، رغم الخلافات الأيديولوجية الموجودة، والصراعات السياسية الواضحة، وهذا يجعل الشعوب تغار من هذه التجربة التي تنسب إلى الإسلاميين، وليس كما يروج البعض بأن كل الإسلاميين إرهابيون.

ثالثاً: لا تصبّ هذه التجربة في صالح الكيان الصهيوني، ومن ثمَّ يجب إجهاضها وإفشالها بسرعة، وهذا ما صرّح به معلق الشؤون العسكرية في إسرائيل "ألون بن ديفيد": "بأن الجميع في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل لا يطيقون أردوغان؛ لأنه يصر على أن يتم التعامل مع تركيا كندٍ مكافئ، ويحرص على احترام بلاده واستقلال قرارها، ولو بثمن الدخول في مواجهات مع القوى العظمى".

رابعاً: المواقف الواضحة والحاسمة لرئيس الدولة من الأنظمة المستبدة في سوريا ومصر وغيرهما، التي لا تريد لشعوبها تقرير مصيرها، وتعاطفه الشديد مع غزة، وخلافه مع النظام الإيراني لتدخلها السافر في العراق. وهذا يؤثر بطبيعة الحال على المخطط، الذي وُضع لتقسيم المنطقة برمتها.

خامساً: الكاريزما التي يتسم بها أردوغان، وقربه من شعبه، وتوظيفه لكل الإمكانيات المتاحة لخدمة المواطنين والسعي بدرجة كبيرة لتقدمهم وازدهارهم، (ارتفاع رواتب الموظفين بنسبة 300%)، كل ذلك يدفع إلى استمرار التجربة وطول مداها، وهذا يزعج المناوئين للنظام الحاكم في تركيا وخارجها.

لكن لماذا فشلت المحاولة الانقلابية؟
مساء الجمعة 15 يوليو، في التاسعة والنصف، أعلنت قناة "NTV" التركية أن قوات للجيش تغلق جسري البوسفور، وأذاعت وسائل إعلام أخرى أن مروحيات تحلق فوق مؤسسات عسكرية تركية، وتسارعت الأحداث بقسوة وسرعة، فالمروحيَّات أطلقت النار على مقرّ المخابرات العامَّة ومبنى رئاسة الأركان، ثمّ احتجزت القوات الانقلابية رئيس هيئة الأركان التركيّ، الجنرال "خلوصي أكار"، بينما ألقت طائرة حربية قنبلة في محيط القصر الرئاسي صباح السبت.

في تطورٍ متسارعٍ للأحداث، وكاد ينجح الانقلاب، وذلك بعد أن تمكنت بعض الوحدات العسكرية من السيطرة على أهم المواقع الاستراتيجية في البلاد (طريق البسفور ومطار أتاتورك في إسطنبول)، إضافة إلى تردد العواصم الغربية في اتخاذ مواقف قوية وصريحة لدعم الشرعية في تركيا، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، ليجد الانقلابيون أنفسهم معزولين داخلياً وخارجياً، وأعلنت الحكومة عن فشل الانقلاب، وأنها تسيطر على الأوضاع بنسبة 90%.

إذن الانقلاب لم يدُم سوى ساعات قليلة، وكما كانت بداية الحدث مفاجئة، جاءت النهاية أيضاً كزلزال لم تكتمل توابعه، ويمكن إجمال الأسباب التي أدت إلى فشل محاولة الانقلاب فيما يلي:

أولاً: لم يؤيد الجيش بكل مكوناته ووحداته فكرة الانقلاب على السلطة المنتخبة، فقد كان هناك انقسام في الجيش تجاه العملية الديمقراطية التي قلّصت من صلاحياتهم، وهو ما دفع بالانقلابيين إلى احتجاز رئيس الأركان الجنرال "خلوصي أركان" القريب من أردوغان، والكثير من الجنرالات الذين رفضوا الانصياع لمحاولتهم.

ثانياً: ظهور أردوغان على شاشة قناة "CNN" التركية في وقت مبكر جداً بعد محاولة الانقلاب؛ ليدعو الناس للنزول إلى الشوارع لإفشال المحاولة الانقلابية، وهو بذلك تصرف بطريقة سريعة وذكية، مستخدماً الطريقة المتاحة له في ذلك الوقت، وهو التليفون المحمول عبر برنامج "فيس تايم".

ثالثاً: ذهاب أردوغان إلى مطار إسطنبول، وليس أنقرة، لأن الانقلابيين سيطروا على العاصمة، فضلاً عن أن ذهابه إلى المكان الذي يتمتع فيه بشعبية كبيرة، ونسبة تأييد شعبي عالية، فقد كان رئيساً لبلدية إسطنبول في فترة سابقة، وعدد سكانها يقترب من العشرين مليوناً.

رابعاً: تصرّف رئيس الوزراء "بن علي يلدريم" كرجل دولة قوي منذ اللحظة الأولى، وطمأن الشعب أن هذه المحاولة الانقلابية قامت بها حفنة قليلة من الجيش، وسيتم القضاء عليها، وذهابه إلى البرلمان لإلقاء كلمته هناك، ودعم البرلمان الكامل بكل أطيافه للحكومة الديمقراطية.

خامساً: مواجهة الشرطة المدنية وعناصر القوات الخاصة التركية للمحاولة الانقلابية التي تم التدبير لها من وحدات عسكرية، في مشهد لم يحدث إلا نادراً، وانتشار قواتها في الشوارع والأماكن الرئيسية، والوقوف مع جموع الشعب وحمايته، والمسارعة إلى اعتقال كل المتسببين والداعمين للانقلاب بأمر النائب العام.

سادساً: عدم قدرة الانقلابيين على الوصول إلى الرئيس أردوغان، وظل حراً يقاوم الانقلاب ويدعو الشعب للخروج إلى الشوارع للحفاظ على التجربة الديمقراطية، على الرغم من المحاولة الفاشلة للقضاء عليه، والدور المحوري المشرِّف لرئيس المخابرات "هاكان فيدان" في إجهاضها.

سابعاً: رفض الأحزاب التركية المعارضة (من اليسار واليمين)، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، المشاركة في هذا الانقلاب، أو توفير غطاء سياسي له، واستنكاره منذ اللحظة الأولى، والتمسك بالتجربة الديمقراطية، مع اختلافهم الشديد مع نظام الحكم الحالي.

ثامناً: كراهية الشعب التركي لتاريخ الانقلابات في بلادهم، لنتائجه الكارثية عليهم، وامتلاكهم الشجاعة للنزول إلى الشوارع رغم حظر التجوال الذي أعلنه الانقلابيون، وانتشارهم في جميع الميادين بالعَلم التركي، الذي التف حوله كل الأتراك، من مؤيديهم ومعارضيهم.

تاسعاً: دور معظم وسائل الإعلام المحلية في عدم التورط في دعم الانقلاب، وعدم سيطرة الانقلابيين على وسائل الاتصال ووسائل الإعلام، بحيث ظلت خارج السيطرة، والتغطية الجيدة لقناة "الجزيرة" للحدث، فشهد الناس ما يجري في الشوارع على الهواء مباشرة، على الرغم من وجود قنوات معادية للنظام التركي، مثل: الإعلام المصري والسوري، وقناتي العربية وسكاي نيوز.

عاشراً: قدرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على التعبئة الشعبية، واعتماده على بنيته التنظيمية القوية، فاستطاع أن يحركها بسرعة للتصدي للانقلاب والخروج إلى الشوارع، ومساندة كل تحركات الحكومة للقضاء على الانقلابيين، وبقائهم في معظم الميادين والأماكن الحيوية لفترة طويلة.

حادي عشر: خطأ قادة الانقلاب حينما أهانوا السلطة البرلمانية، بإلقائهم صواريخ من طائرات إف 16 على البرلمان، بما يبين إهانتهم للبرلمان، وهو السلطة الدستورية، التي يمكنها نقل السلطة من كيان لآخر، وهو الجُرم الذي لم يغفره كل التيارات السياسية للانقلابيين، فدفعتهم للتلاحم في مواجهة الانقلاب بصرامة.

ثاني عشر: تضامن الملايين من الشعوب العربية والإسلامية، والمتحمسين للتجربة الديمقراطية، بالدعاء والتوسل إلى الله لإنقاذ تركيا من الانقلاب المشؤوم، فتركيا "أردوغان" تقف مع المستضعفين في العالم، وخصوصاً من البلدان التي تعاني استبداد حكامها (مصر وسوريا)، أو اضطرابات سياسية (ليبيا والعراق واليمن).

وقبل كل هذا وذاك قدرة الله وتدبيره وإرادته لأن يستمر أردوغان وحزبه، ومن أيّده لخدمة القضايا الإسلامية، ونصرة الشعوب المستضعفة.

لقد أثبت الشعب التركي بكل مكوناته وقياداته وقواه الحيّة وأحزابه السياسية أنه يستطيع الوقوف أمام محاولات الانقضاض على الديمقراطية، وحماية مؤسسات الدولة من الانقلابيين، وعلى ذلك يجب على القيادة التركية اغتنام هذه الفرصة، لتحقيق المصالحة الوطنية بين القوى السياسية، للوقوف صفاً واحداً في مواجهة التحديات التي تواجه تركيا في المرحلة القادمة، والاستفادة من الإجماع الشعبي والسياسي الذي يرفض مثل هذه المحاولات الانقلابية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد