الشعب.. الشعب

خرج الشعب إلى الشوارع يهتفون باسم الله وباسم تركيا، تركيا التقدم، لا تركيا الانقلاب، نعم تركيا، لا أشخاص ولا أحزاب، فالكل على هذه الأرض لأجل الوطن، وليس لأجل فلان أو علان.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/18 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/18 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

رغم أنني لا أهوى السياسة، ومهاراتي أضعف من أن أوظفها لتحليل ما حدث واستشراف ما سيحدث، فإنني لا أستطيع إلا أن أتوقف إعجاباً وتوثيقاً وإجلالاً للشعب التركي.

لسنوات كان رجب طيب أردوغان بالنسبة لنا هو وجه تركيا، قامتها، إشراقة مستقبلها، وحلمها، بل حلمنا نحن، صلاتنا التي لم نجهر بها يوماً، ولم نخفِها بأن يرزقنا الله في حكوماتنا مثله.

كان أردوغان بالنسبة لنا هو سر النهضة، هو الوصفة السحرية لقتل البطالة، لإنعاش الاقتصاد، لزيادة دخل الفرد، لعزة الإسلام والمسلمين المهمَّشين والمهجّرين والمحاصرين هنا وهناك.

وهذا حقيقي وصحيح إلى حد ما، لكنه ليس الحقيقة الكاملة، بل جزء من صورة أكبر صنعها ويصنعها الشعب الذي يقف معها وفيها وبها.

هذا الشعب الذي لم يتوانَ في ممارسة حقه واستخدام صوته لتحديد مصيره اعتماداً على وعيه السياسي وما فيه مصلحته ومصلحة الوطن.

في تركيا لا مجال لتطبيق مبدأ "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، فالجميع هنا لأجل تركيا، ورغم اختلاف توجهاتهم الدينية وانتماءاتهم الحزبية، خرجوا جميعاً متكاتفين لأجل أن يبقى هذا الوطن كما يريدون له، حتى المعارضة التي خسرت في صناديق الاقتراع، ورغم الخلافات الحادة، لم تنتهز الفرصة لبث المزيد من القلق، لم تختبئ خلف الدبابات للتخلص من خصمها، بل وقفت بصدرها العاري في وجه الدبابة، ونددت وبشدة بتحرك العسكر.

أردوغان من منصبه الشرعي وفي اتصال هاتفي لم يتجاوز نصف الدقيقة حرك الشعب شباباً وشيبة، رجالاً ونساء، وحتى العجوز التي يسندها عكازها هرولت معهم إلى الميادين والساحات، لم يغلق الأتراك أبوابهم، لم يقُل أحدهم سيقوم بالأمر غيري، لم يقُل مَن لزوجتي وأطفالي، بل خرج بهم ومعهم؛ ليكونوا جميعاً شاهدين على دور الشعب في إحقاق الحق وإثبات الشرعية.

خرج الشعب إلى الشوارع يهتفون باسم الله وباسم تركيا، تركيا التقدم، لا تركيا الانقلاب، نعم تركيا، لا أشخاص ولا أحزاب، فالكل على هذه الأرض لأجل الوطن، وليس لأجل فلان أو علان.

أردوغان واجه الدبابات بالشعب، بالقوة التي لا تهزم، بالوعي الديمقراطي والسياسي، بالحراك المدني الذي لعب دوره بطريقة تكاد تكون لدول الجوار قصة خيالية، تمثلت باعتقال المدنيين للعسكر وأفراد الجيش، وحتى في عملية الاعتقال تدخلت قوات الأمن لحماية الأفراد، بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم.

توحد الشعب مع الشرعية، دافع عن صوته، عن ذلك الرجل الذي اختاروه فلم يخُن أمانته، ولم يسرق من خيرات البلد ليسمن ويجوعوا، توحد الشعب فأسقط الانقلاب، حرر المطار والقناة التركية وفتح الجسور المغلقة، كل ذلك تم دون شغب عشوائي، دون حرق وتكسير ونهب، حتى الدبابات الني قادت الانقلاب وأغلقت الطرق لم يتم المساس بها أو تخريبها، وهذا مشهد لم نتعود عليه، خاصة في بلدان لا تزال تحرق مدينة "كرمال عيون"، وتنتخب ممثليها على أساس عشائري وقبلي.

شعب تركيا، دون قصد ودون ترتيب مسبق، كان درساً تاريخياً وتمثيلاً حياً وواقعياً للقومية والديمقراطية والمواطنة الصالحة والمعارضة الواعية، تلك المصطلحات التي لطالما تشدق بها الإعلام العربي كغراب ناعق أو ببغاء يكرر دون وعي كلمات رنانة لا طعم لها.

الانقلاب في تركيا فشل، أردوغان لا يزال على سدة الحكم، وهذا خبر أبهج الكثيرين، لكن هذا قد لا يدوم، قد تتغير الأحداث غداً، قد يسقط أردوغان، قد تزداد شعبيته، حقيقة لست أدري، كل ما أعرفه الآن أن شعب تركيا اختار تركيا ولنِعْم الاختيار.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد