في مساء يوم الجمعة الماضي، اتصلت بي والدتي لتخبرني بتوارد أنباء عن حدوث انقلاب عسكري في تركيا، حثتني على سرعة متابعة القنوات الإخبارية؛ لتفسد الأحداث السياسية الساخنة بذلك ليلتي الهادئة مع القراءة، في حين ختمت والدتي حديثها في حماسة: أنا بكره أردوغان لأنه عدو لمصر"، كلمات والدتي تشابهت مع عبارات الكثير من أصدقائي على موقع "الفيسبوك"، ممن يؤيدون النظام المصري، ظالماً أو مظلوماً، ويرون في تركيا شراً خالصاً، ودولة معادية لمصر.
ورغم خلافي مع تيار المؤيدين العاطفين ذلك، فإنني أرى أن الاختلاف في الرأي يجب دائماً تقبله؛ لذلك فلا عيب أن يعبر أي مواطن عن رأيه، وأن يتحول ذلك الرأي إلى حكم نهائي، غير مبني على معلومات، غير محايد أو موضوعي، ولكن كيف من الممكن أن نسقط كإعلاميين في نفس الأمر؟
هكذا قفزت إلى رأسي التساؤلات، بينما أتابع تغطية المواقع المصرية لمحاولة الانقلاب العسكري على النظام التركي، وكيف سيطرت مشاعر السلبية، تخالف الحيادية تماماً، ما دفع بعض المواقع لاستباق النهايات، وإعلان نجاح الانقلاب والإطاحة بأردوغان.
المتصفح للمواقع المصرية ليلتها، سيفهم ما أقوله جيداً، الأمر الذي انعكس بدوره على أعداد الصحف اليومية، التابعة لتلك المواقع، والصادرة صباح السبت، بـ"مانشيتات" غلبت عليها الحديث عن نجاح الانقلاب العسكري في تركيا، فيما عدا بضع صحف فقط، عالجت الأحداث المشار إليها بنوع من الحياد، أو قامت بطبع طبعة ثانية، حتى لا تبتعد الصحف أكثر عن قارئها.
هناك ثلاثة عوامل أستطيع بها تفسير التغطية غير الموضوعية بالنسبة للمواقع والصحف المصرية، بصفتي عملت لسنوات في عدد منها، وأعلم قدر الضغوط التي يتعرض لها المحررون وإدارة التحرير، لتحقيق التدفق الإخباري، والسبق، ومراعاة السياسة التحريرية، كما يراها قيادات الجريدة، أو الملاك، أو الدولة.
ولكن أولاً علينا الاتفاق على أن الحياد الذي درسناه في مقررات أقسام وكليات الإعلام لا يمكن تنفيذه بتلك الدقة والحيادية، ليس فقط على مستوى مصر، أو الوطن العربي ولكن أيضاً على مستوى العالم، والأمثلة على ذلك يسهل الوصول إليها.
أما العوامل الثلاثة، التي أراها سبباً في خروج التغطية الإعلامية لعدد من الصحف والمواقع المصرية بصورة فوضوية، لا دقة فيها، فأولها وأسوأها على الإطلاق هو السعي لتحقيق أعلى نسبة تصفح للموقع، وظهور مفهوم الترافيك، الذي جعل المواقع تتسارع لتحقيق النسبة الأعلى من تصفح المستخدم المصري، سعياً للإعلانات والريادة، بوضع عناوين براقة، جاذبة، تنتهي بموضوعات فقيرة مبتذلة.
أما العامل الثاني فهو الضغوط التي يتعرض لها المحرر الإلكتروني، المطالب بكم هائل من الأخبار والتقارير اليومية، تبدأ من 5 أخبار وتقارير في عدد من المواقع؛ لتصل إلى 14 في مواقع آخر، وهو كم هائل تفرضه المنافسة الشديدة في سوق الإعلام، التي عانت من كساد منذ بضع سنوات، مخلفة قائمة طويلة من الانتظار لخريجي أقسام الإعلام بالجامعات المختلفة.
وحين تعلم يا قارئي أن المحرر يتعرض لخصومات، وأحياناً للنقل، في حالة عدم تحقيق السبق في الخبر عن المواقع الأخرى، تستطيع أن تعي حالة الصراع الشديدة لدى المحرر، بين المهنية والدقة، وبين السرعة والانفراد بالخبر، أو المتابعات والتغطية، في سباقه مع المواقع المنافسة.
أما العامل الثالث، فهو تبني أغلب المواقع والجرائد للخطاب الرسمي للدولة، وهو أمر لم نعهده من قبل، حتى في نهاية عصر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، الذي فرض قبضة أمنية واسعة، كانت أهم عوامل تفجر ثورة الـ25 من يناير/كانون الثاني، إلا أن العاملين بالصحف وقتها كانوا دائماً ما يجدون طريقهم، لانتقاد النظام ومعارضته، وتبني وجهات نظر مغايرة، ولو على استحياء، اعتماداً على فطنة القارئ المصري، الذي لا يخفى عليه شيء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.