مصر “المرتعشة”.. إلى أين؟

ظلّ نظام 3 يوليو يلهث خلف مصالحه الخاصة، لا مصالح مصر، فارتعشت يداه في تناول القضايا الخارجية، وانحسر دور مصر الإقليمي في منطقةٍ كثر الفاعلون السياسيون فيها، ثم أصبحت مصر مقيّدةً في حركتها حتى في أهم القضايا التي تمسّ أمنها القومي، وضاعت هيبة الدبلوماسية المصرية العريقة، وهي تهرول لإرضاء النظام الذي يسترضي مَن يدعمه مالياً وسياسياً دون النظر إلى مصالح وطنه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/16 الساعة 04:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/16 الساعة 04:42 بتوقيت غرينتش

يمثّل مؤتمر دعم الثورة السورية، الذي نظّمته القوى والتيارات الإسلامية في استاد القاهرة الدولي في يونيو/حزيران عام 2013م، وحضره الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، أعلى قمة وصلت إليها السياسة الخارجية في وضوحها وانحيازها الواضح إلى طرف دون آخر في أزمة شائكة تعصر محيطها الإقليمي، وآخر المواقف القوية للدبلوماسية المصرية العريقة، بغضّ النظر عن صحة تنظيم مثل هذا المؤتمر أم خطئه، ومدى تأثيره في الإطاحة بأول تجربة إسلامية للحكم في مصر، بقيادة جماعة الإخوان المسلمين.

لا شكّ أن موقف الحكومة المصرية من الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2012م يمثّل موقفاً نبيلاً، أدانت فيه الحكومة المصرية العدوان الإسرائيلي على غزة منذ بدايته، ووصف فيه الرئيس محمد مرسي الهجمات الإسرائيلية على القطاع بأنها عدوان سافر على الإنسانية، وأعلن أن بلاده لن تترك غزة وحدها، محذّراً المعتدين بأنه لن يكون لهم أبداً سلطان على أهل غزة، وأرسل رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة تضامناً مع أهلها.

لكن موقف الحكومة المصرية من الأزمة السورية يختلف عن موقفها من الاعتداء الإسرائيلي على غزة، فالأول صراع عربي داخلي، ويمثّل شأناً سورياً داخلياً إلى حدٍّ بعيد، بينما يأتي الموقف من غزة في إطار الجهود الدولية في قضية العرب الأولى، والدور الريادي لمصر فيها تصاعداً وهبوطاً، خصوصاً أن هذه الحرب شهدت تضامناً كبيراً من دول الربيع العربي.

ثم هبّت على مصر رياح 30 يونيو عام 2013م، وما تبعها من انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز على أول تجربة ديمقراطية عقب ثورة يناير/كانون الثاني المجيدة عام 2011م، بغضّ النظر عن أخطاء هذه التجربة، فقدّم نظام 3 يوليو كثيراً من التنازلات في سبيل دعمه سياسياً ومالياً، والحصول على اعتراف دولي بشرعية وصوله إلى الحكم، وكانت أيدي هذا النظام مُرتعشةً دائماً في معالجة مختلف القضايا السياسية التي تمرّ بها المنطقة.

فلم نجد دوراً واضحاً لمصر في التحالف السني الجديد الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، ولم يكن هناك دور للدبلوماسية المصرية العريقة في الأزمة اليمنية، أو في التحالف العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية أيضاً، وشنّ العملية العسكرية (عاصفة الحزم) دعماً للشرعية في اليمن ضد انقلاب الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح، ولم يكن لمصر أي حضور يُذكر في المفاوضات الدولية الخاصة بالأزمة اليمنية، أو الأزمة السورية.

حتى على مستوى القضايا المصرية الشائكة نفسها غابت مصر، فلم تُقابل الحكومة المصرية الجولة الإفريقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في دول منابع النيل، ونجاحه في تأمين مصالح حيوية لإسرائيل في المنطقة، أهمها السيطرة على مياه نهر النيل، في تهديدٍ واضحٍ لأمن مصر، إلا بدعاية إعلامية رخيصة لرفع شعبية عبدالفتاح السيسي -رئيس نظام 3 يوليو- من خلال جولته بالدراجة في شوارع المعمورة بمحافظة الإسكندرية، وزيارة خانعة لوزير خارجيته سامح شكري إلى إسرائيل، أعلن أن هدفها هو إعادة إحياء مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، ولم تخرج منها معلومات سوى هذا الحبّ الجارف الذي جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يصطحب ضيفه إلى بيته؛ لمتابعة نهائي بطولة الأمم الأوروبية على إحدى قنوات الجزيرة، التي سبق للوزير إلقاء (ميكروفونها) خلال أحد مؤتمراته الصحفية بحجة أنها قناة إسرائيلية عميلة.

ظلّ نظام 3 يوليو يلهث خلف مصالحه الخاصة، لا مصالح مصر، فارتعشت يداه في تناول القضايا الخارجية، وانحسر دور مصر الإقليمي في منطقةٍ كثر الفاعلون السياسيون فيها، ثم أصبحت مصر مقيّدةً في حركتها حتى في أهم القضايا التي تمسّ أمنها القومي، وضاعت هيبة الدبلوماسية المصرية العريقة، وهي تهرول لإرضاء النظام الذي يسترضي مَن يدعمه مالياً وسياسياً دون النظر إلى مصالح وطنه.

ولعلّ آخر ملامح هذا الاسترضاء مشاركة مصر في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس إرضاءً للموقف السعودي، ومن خلال وفد غير رسمي من مجلس النواب المصري تحاشياً لأي غضب إيراني، فلا هي تبنّت موقفاً رسمياً واضحاً وحاسماً بناءً على مصالحها ودورها الإقليمي الذي يليق بدولة بحجم مصر، ولا هي انحازت إلى السعودية والتحالف السني في مواجهة المشروع الشيعي الذي يعيث فساداً في المنطقة، ولا هي نَأَتْ بنفسها عن التدخّل في الشأن الإيراني الداخلي، وتفرّغت لمشكلاتها الداخلية والخارجية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد