مرت ثلاث سنوات على الانقلاب العسكري في مصر، لا أدري متى وكيف مرت، لكنه حدث، السجون تعج بالبشر.. لا أحد يدري كم عددهم تحديداً أو حتى أرقام قريبة من الحقيقة، لم يحدث حصر دقيق بعدد المعتقلين، يقال 40 ألفاً، ويقال 60 ألفاً، ويقال 100 ألف، لا أكذب أياً من هذه الأقوال ولا أصدقها أيضاً، كلها تكهنات.
ربما قد اعتقل منذ الانقلاب ما يقارب المليون شخص، تراوحت مدة سجنهم ما بين الـ3 شهور والـ3 سنوات، أما من يقبع في السجن الآن فأغلبهم من ذوي الأحكام الكبيرة، بدءاً من الإعدامً نزولاً حتى الـ7 سنوات، تتساءل: من أين عرفت أن عددهم يقارب المليون؟!
أنا أيضاً أتكهن..
ليست المأساة في حبس المعارضين بذنب وبدون، أعتقد أن كثيراً منهم قد يتحمل الأذى عن نفسه، ولو جلد حتى الموت في سبيل ما يؤمن به، تكمن المأساة الحقيقية فيمن خلف المعتقلين في بيوتهم.
تخيل معي أن هذا الكم الهائل جداً من المعتقلين أغلبهم عوائل أسرهم، سواء كانوا الأبناء الكبار لأهلهم أو أزواجاً وآباء أو إخوة، لا أسأل هنا من يرعى المعتقل في سجنه، ولكن من يخلف عائل الأسرة في بيته؟ تظن أن الأمر هين!! أخبرك أن المعتقل منفرد، ولو كان شاباً صغيراً قد يكلف أهله ما لا يقل عن 4 آلاف جنيه في الشهر الواحد، هم مجموع الزيارات، سواء أكانت 4 زيارات أو 2 في الشهر من طعام وملبس وتكاليف سفر، لا يقل عن 4 آلاف في الشهر.
لم أتحدث هنا عن تكاليف المحامين ولا الرشى التي تدفعها في السجن، وفي المحكمة، وفي كل مكان توجد فيه، ويوجد فيه معتقل يخصك، إذا كانت هذه تكلفة المعتقل في حبسه، فمن أين تنفق الأسرة على نفسها!! وكم تحتاج كدخل شهري؟ سمعت مرة أن كلفة السجن على المعتقلين في مصر قد تصل إلى 30 مليوناً شهرياً، أي 360 مليوناً في عام واحد، أي 1.08 مليار في 3 أعوام، قد أصدق مثل هذا الرقم، وقد أرى أنه من البديهي لو كنا أنفقنا هذا الرقم في المقاومة بأي شكل آخر منذ البداية أو حتى في منتصف الطريق، لا كي نكون مثل سوريا والعراق، لكن رد الاعتداء يخفف من وطأة وتجبر الفاجر.
تعايش المعتقلون وذووهم مع هذا الأمر طيلة 3 سنوات، منهم من دعمه أهله وجيرانه وأصدقاؤه، ومنهم من يعزف منفرداً أغنية عف بها نفسه، ولو كان ذا حاجة، وهم كثر.
السؤال هنا مرة أخرى ليس إلى متى يتحمل المعتقل وأهله بلاء السجن؟ ولا كيف يتحمله؟ ولكن من أجل ماذا؟
معاناة المعتقلين في أقسام الشرطة والزحام الشديد
كانت القضية استكمالاً للثورة التي بدأت منذ 5 سنوات، وحماية الوطن من سطوة العسكر على الحكم الذي كان وما زال في أيديهم وحدهم، وبقوة السلاح لا غيرها طوال 62 عاماً، هل كنا نهتف في الشوارع (يسقط يسقط حسني مبارك)؟ حسناً أدركنا الآن أن الأزمة لم تكن في مبارك ولا في رجال أعمال مبارك، الأزمة كانت في الجيش المسلح الذي يحمي مبارك، الذي ينتفع من وراء مبارك، المستفيد الوحيد من وجود شخص مثل مبارك في الحكم، ولو كان عجوزاً خرفاً على مشارف الموت، الآن بعد خمس سنوات من إسقاط مبارك، على أي درجه نحن من سلم إسقاط حكم العسكر؟ هل نرى السلم أصلاً، أم أن السيسي (أخده معاه فوق؟)، هل يسقط هذا النظام المسلح بسلاح أقوى دولي عسكريه في العالم بالمظاهرات السلمية التي ظلت عامين كاملين لا تهدأ ولا تنام مهما اشتد الاعتقال والقتل؟ هل هكذا يسقط نظام بهذه البجاحة والوقاحة والإجرام الذي يمكنه من قتل الآلاف في الشوارع دون اكتراث؟
من أجل ماذا يقبع المعتقلون في سجنهم؟ الآن بعد عام ويزيد من الهدوء التام من قبل الثورة في مقابل المزيد من القتل والاعتقال من قبل عسكر الانقلاب، هل نقول مَن استشهد منا استراح إلى جوار ربه أما المعتقل ففي عذاب مقيم أفرجوا عن المعتقلين أياً كان الثمن؟ هل يكون خائناً للأمانة من يفعل ذلك الآن بعد الثمن الباهظ الذي دفع من دماء وأشلاء وجثث محترقة، من سحل وضرب وتعذيب وكهرباء واغتصاب الفتيات والفتيان؟.. هل يكون خائناً للأمانة من يفعل؟ من يقول كفى؟
أنا شخصياً لا أدري، ولا يتخلل حديثي هنا أي حلول حتى يخرج متنطع عليّ فيقول ائتنا بحل من عندك.. أنا فقط ممن أوذوا في ذويهم، أفكر، لقد يذكرني أحدهم ما القضية؟ وما الطريق الذي نمشيه نحو تحقيق أهدافها؟ وما النتيجة التي من أجلها دفعنا كل هذا الثمن؟ لا يمكن إجابة أحد هذه الأسئلة الثلاثة على حدة.
عقلي منفتح أمام أي إجابة مقنعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.